على رغم أنّ اللاجئين السوريين في غزة يبحثون عن ملجأ آخر لهم هرباً من الحصار الدولي للقطاع، إلا أن خبرة بعضهم في أصول الطبخ الشرقي دفعته للتفكير في الاستقرار هناك، خصوصاً أنه وجد تقارباً بين الذوق السوري والغزاوي، ما دفعهم إلى دخول السوق بقوة وعزيمة شديدتين. بداية لم تكن الانطلاقة سهلة وسط جهل الطهاة السوريين بطبيعة المكان وبيئة أهل غزة وذوقهم، ما دفعهم إلى القيام بجولة استكشاف للمطاعم وتذوّق وجباتها. هكذا، سلك كل من وريف حميدو ومهند النابلسي وأنس قاطرجي طريقه إلى قلوب أهالي القطاع من خلال تقديم أطعمة سورية تناسب أذواقهم، ثم أطلق كل منهم مشروعه الخاص. الشيف وريف حميدو كان أوّل من جذب انتباه وسائل الإعلام من خلال عمله في مطاعم عدة، وبعد عامين افتتح «سوريانا» المطعم السوري الأوّل في غزة، وأثار إعجاب ضيوف ودهشتهم في حفلة الافتتاح نظراً إلى ما قدمه من أصناف أطعمة مميزة جديدة مجانية ومميزة. وعلى هذا النهج توجّه مهند النابلسي للعمل في مطاعم غزيّة، ومن ثمّ افتتح مطعمه «ياسمين الشام» المختصّ ب «اللقمة السورية». ويفاخر ب «حرفة» الطبخ التي تعلّمها على يدي «المرحوم والدي، كان شيخ الكار ومقصد من يريد تعلّم فن الطهو. وموافقته تأشيرة مرور إلزامية لمن كان يريد أن يفتتح مطعماً». ويعتمد الطاهي أنس قاطرجي اللهجة السورية كوسيلة مهمة للترويج لأصناف الأطعمة. ف «هي هويتي وجواز سفري خارج سورية» وفق تعبيره، مشيراً إلى دور مسلسلات الدراما السورية في الترغيب بالأطعمة السورية، ويقول: «اللهجة أهم شي في عملنا، ومن دونها لا نستطيع أن نعمل، لذا نحافظ عليها ونحرص على أن نتكلّم بها». وتؤكّد السورية أم سوسن دور اللهجة، مشيرة إلى أن المجتمع السوري ميال إلى التجارة، ما جعل أفراده يحافظون على رقة أسلوبهم وحديثهم، موضحة: «الشعب السوري اعتاد الحياة الهانئة الخالية من المتاعب. لذا، تجدين في حديثهم طلاوة ونعومة». وعن تأثير المطاعم السورية في هذه المهنة في غزة، أفاد رئيس نقابة المطاعم صلاح أبو حصيرة، أن «هذه المنشآت ساهمت في إضافة أصناف جديدة إلى الطاولة الغزية، وبنت جسور تآلف بين اللاجئين السوريين ومجتمعنا ما ينعكس إيجاباً على الجميع». وإلى المطاعم، سيشهد القطاع قريباً افتتاح محال للحلويات السورية، وبعدما وجد كثر مستقراً بعيداً مما تكابده بلادهم ومساحة حياة تليق بطموحاتهم وأحلامهم على حدّ تعبير رئيس تجمع اللاجئين السوريين أبو بلال اللبّان.