بعد قرارين أصدرتهما المحكمة العليا الأميركية، يكرّسان التوجّه الليبرالي الجديد للولايات المتحدة ويوافقان سياسة البيت الأبيض في قضايا الضمان الصحي والزواج المثلي، ومع انتزاع الإدارة الأميركية موافقة من مجلس الشيوخ على اتفاقات التجارة الحرة، ليس مبالغة القول إن الأيام الأخيرة كانت الأفضل خلال رئاسة باراك أوباما منذ وصوله إلى الحكم عام 2009. هذا الزخم الداخلي وصعود الديموقراطيين في استطلاعات الرأي، في الأيام السبعة الأخيرة، سيحاول أوباما توظيفهما خارجياً وفي قاعة المفاوضات في فيينا بين إيران والدول الست المعنية بملفها النووي، من أجل إبرام اتفاق شامل قبل 9 تموز (يوليو) المقبل، وهي المهلة الحقيقية بالنسبة إلى واشنطن، بسبب ارتباطها بمناقشات الكونغرس. ويعتبر البيت الأبيض أن التوصل إلى اتفاق مع طهران سيثبّت الشرعية الخارجية لأوباما ويزيل نسبياً الخيار العسكري عن الطاولة في العقد المقبل. وأعاد أوباما الأسبوع الماضي، قاعدته الشعبية والديموقراطيين إلى العام 2008، عبر إلهامهم من مدينة تشارلستون في صلاة جماعية عن روح تسعة أميركيين سود قتلهم شاب أبيض عنصري في ولاية ساوث كارولاينا. خطاب أوباما في تشارلستون ذكّر أنصاره بصورة وصوت المرشح الذي ألهب الشارع الأميركي ودخل البيت الأبيض عام 2009، بوصفه أول رئيس أسود للولايات المتحدة. وجاء تصويت المحكمة العليا مرتين لمصلحة الديموقراطيين، في قضيتَي زواج المثليين والضمان الصحي، ليرسّخ انعطاف أميركي إلى اليسار، بعد عقود من البكاء على أطلال رئاسة رونالد ريغان وحنين المحافظين إلى جورج بوش. وتحوّل أوباما بعد التصويت، الرئيس الأكثر «تقدمية» في التاريخ الأميركي، كما وصفه المعلق ديفيد رامنيك في أسبوعية «نيويوركر». هذه الاندفاعة السياسية سيسعى وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى صرفها في مفاوضات المرحلة الأخيرة مع إيران في فيينا. وفيما يستخدم المفاوضون تاريخ اليوم (30 حزيران - يونيو) بوصفه موعداً نهائياً لإبرام اتفاق نووي، تعمل واشنطن وفق جدول مختلف وأكثر ليونة، قد يمنح المفاوضات أسبوعاً إضافياً. فالموعد الفعلي للمهلة المُتاحة أميركياً للتوصل إلى اتفاق بالنسبة إلى البيت الأبيض، هو 9 تموز، اذ أن تقديم الإدارة نص الاتفاق إلى الكونغرس قبل ذاك التاريخ، يُلزم الأخير بمراجعته خلال 30 يوماً لا أكثر، وردّه إلى أوباما، فيما أن طرح أي اتفاق على الكونغرس بعد 9 تموز يعني تمديد فترة مراجعته إلى 60 يوماً، بسبب عطلة الكونغرس في آب (أغسطس). ويسعى الأميركيون بكامل طاقتهم إلى إنجاز اتفاق وعدم تأجيله. وأشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس إلى مفاوضات سرية بوساطة عُمانية بين ايرانوالولاياتالمتحدة منذ العام 2009، تخلّلها محطات لتحفيز الثقة، بينها إدراج واشنطن تنظيم «جند الله» المناهض للنظام الإيراني على لائحة الإرهاب عام 2010. وشمل الأمر إفراج طهران عن 3 متسلّقين أميركيين عام 2011، وعقد أول اجتماع سري بين ديبلوماسيين إيرانيين وأميركيين في مسقط عام 2012. وهيّأت هذه الخطوات، إضافة إلى إطلاق واشنطن 4 سجناء إيرانيين عام 2013، وزيادة عدد الطلاب الإيرانيين في الولاياتالمتحدة إلى أكثر من 10 آلاف، للمفاوضات المباشرة في فيينا والوقوف الآن على عتبة اتفاق شامل يطوي الملف النووي الإيراني. وفيما ترى الإدارة الأميركية أن الكرة في الملعب الإيراني للقبول بالخطوط العريضة المُتفَق عليها في اتفاق الإطار المُبرم في لوزان في نيسان (أبريل) الماضي، تعمل واشنطن بشراسة لإنجاز اتفاق. ويرى مسؤولون في البيت الأبيض أن ذلك قد يؤسس لحوار أوسع مع إيران، يشمل ملفات إقليمية بينها سورية والحرب على تنظيم «داعش». ويرى البيت الأبيض أن هذا الاتفاق سيسجّل عموماً إنجازاً ضخماً لأوباما، يُقارَن بالاتفاقات التي أبرمها الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون مع الصين.