يتمتع شهر رمضان بمكانة عظيمة لدى أبناء الجالية السودانية في «عروس الشمال» حائل، إذ توارثوا الاستعداد له والاحتفال بحلوله وخصوصاً ليلة الرؤية وأول سحور وأول يوم، حينما يجتمع عدد من الأسر السودانية على مائدة إفطار واحدة في جو أسري يضم كل أفرادها، خصوصاً الجدات والأجداد الذين يمثلون النفحة الجميلة الباقية، للحفاظ علي تقاليد وعادات رمضان التي تميزه عن بقية أشهر العام. ويعتبر المغتربون السودانيون موسم رمضان الشهر الأنسب للتزاور والتواصل في ما بينهم، كون الشهور المتبقية لا تعد فرصة لالتقائهم في مجلس واحد وعلى سفرة واحدة كما هي الحال في شهر رمضان، إضافة إلى سهولة أداء مناسك العمرة، بحسب قولهم، فيما تعد مائدة الإفطار السودانية من أشهر موائد الإفطار، فهي تتميز بلذة الطعام والفوائد الصحية ومن أشهر الأطباق التي تقدم عليها «العصيدة» و«القراصة». ويوضح معلم اللغة الإنكليزية علاء عبدالحفيظ أبوالتوم (أحد أفراد الجالية) ل«الحياة» أن رمضان له نكهة مختلفة، فهو يؤلف القلوب من خلال الاجتماع بشكل شبه يومي بأحد المتنزهات أو الحدائق العامة، ويضيف: «قبيل موعد الإفطار بساعات، تبدأ الزوجات بصنع ما لذ وطاب، وغالباً ما يكون سيد الأطباق لدى السودانيين «العصيدة» ووجبة «التقلية»، ناهيك عن المشروبات، ك«الحلو مر» و«الكركدي» و«الآبريه». ويشير أبوالتوم إلى أن السفرة السودانية في رمضان لا يمكن أن تخلو من «العصيدة» و«القراصة»، فهما أكلتان أساسيتان لا يستغنى عنهما، إضافة إلى «الثقيلة» التي تعد على الطريقة السودانية وتكون شهية المذاق. ويؤكد إبراهيم حجر (مقيم سوداني) ل«الحياة» أن متعة الإفطار الرمضاني تكون في التجمع العائلي وهي من العادات السودانية في رمضان، موضحاً أن البعض منهم يحرص على الإفطار في الحدائق، كونها تحوي مساحات متسعة وتبعث في النفس الهدوء والطمأنينة. فيما تكشف أم التوم (سودانية الجنسية) أنها تقضي هذا العام شهر رمضان في السعودية للمرة الأولى والتي تعتبرها بمثابة تجربة اجتماعية ثريّة سوف تتيح لها «إنشاء علاقات مميزة مع سيدات مغتربات من بنات بلدها»، وتلفت أم التوم إلى حرصها على إعداد الوجبات السودانية الرمضانية «لتهيئة أجواء مماثلة للأجواء في السودان». وتعتقد أم التوم أنه «على الشخص التكيف مع البيئة المحيطة به كي يستمتع بالحياة والأجواء الروحانية من حوله». فيما يشير عبدالحميد محمد (مقيم سوداني) إلى ندرة تناول الإفطار داخل المنزل، إذ إن البعض يجتمعون في إحدى الحدائق أو المتنزهات العامة للاستمتاع بالأجواء الرمضانية من خلال تبادل أطراف الحديث إلى صلاة العشاء ومن ثم العودة إلى المنازل، مبيناً أن من الأمور المهمة لدى أبناء الجالية السودانية في رمضان القيام بأداء العمرة،إذ أصبحت عادة سنوية لدى أفراد الجالية في السعودية خلال شهر رمضان، ويضيف: «بمجرد ثبوت الهلال يحرص جميع أبناء الجالية على تبادل التهاني بحلول الشهر الفضيل، إضافة إلى حرصهم على أداء اليوم الأول لصلاة التراويح، ومن ثم يأتي السحور الذي تتفنن به ربات البيوت كونه السحور الأول في حضرة الشهر الكريم. ويوضح المقيم السوداني أيمن صلاح خلال حديثه إلى «الحياة» أن الرجال يجتمعون في مكان مخصص لتناول وجبة الإفطار، ويجلسون على «البروش» المعدة لذلك، وكل يأتي بزاده من الطعام والشراب بحسب استطاعته. ويضيف: «تتمثل فائدة هذه العادة بأنها تعتبر ملاذاً لعابري السبيل، ولكل شخص ظل خارج منزله حتى وقت الإفطار، ولكل مسكين لا يملك ما يفطر به، ما يجسد كل معاني التكافل والتآلف والرحمة والمساواة، وهي فرصة أيضاً للتواصل مع الأهل والأصدقاء». وتقول أم إبراهيم (مقيمة سودانية): تتنوع الأكلات والمشروبات السودانية خلال وجبتي الفطور والسحور بين الحلو والحامض والمر، ويأتي شراب «الحلو مر» الذي يسمى في بعض الأحيان «الآبري الأحمر»، من أشهر أنواع الشراب السوداني، ويكتسب «الحلو مر» مذاقاً خاصاً بعد أن يتم وضع السكر عليه وتحريكه، إذ يمتاز بخاصية إخماد العطش. وتتابع بقولها: إضافة إلى هذا المشروب هناك ما يعرف بشراب «الكركدي» الذي يصنع من ثمار أشجار «التبلدي» التي تنقع في الماء وتصفى، ويضاف إليها السكر، ما يعطيها مذاقاً حلواً يميل إلى الحموضة، وتضيف أم إبراهيم: من الوجبات الغذائية الشهيرة في رمضان وجبة «العصيدة» وهي من الوجبات التقليدية لأهل السودان، وتتكون من خلطة عجين الذرة المطهي، إضافة إلى وجبة «التقلية» وهو طبخة تتألف مكوناتها من البامية الجافة المطحونة مع اللحم المفروم.