المكان... ليس مروراً لأقدام متعجلة فوق أرض مكتوبة بتأن... إنه عبور في جسد ذاكرة تمضغه باستساغة... لا تحدده خرائط... بل قراءاتنا الفلسفية لما تطأه أقدامنا... وما تبقى له من حنين داخلنا... محمود عوف... سفير مصر في الرياض... عابر مكان... في جغرافية تحتضن أكثر من مليون مصري فوق أرضها... يرى أن «حياة الديبلوماسي من أهم مفرداتها التنقل في كل دول العالم، فدوره هو أن يعمل في سفارات بلده، في الخارج، ثم يعود لوطنه الأم كل أربع سنوات، ليبقى عاماً أو عامين، ويعاود الكرة من جديد، وهي سمة حياة اخترناها بأنفسنا، وبكامل رغبتنا». ويضيف ل«الحياة» «قد تكون علاقاتنا بالأماكن كديبلوماسيين، مختلفة بعض الشيء، فنحن ننتقل إلى دول جديدة، بثقافات، ولغات وعادات وتقاليد جديدة بالكلية، وأنا عملت في كندا واستراليا وباكستان وقطر، قبل أن أعمل في الرياض». وحين سؤاله عن تأثير «التنقل» المتكرر على «استقرار» عائلته، قال: «هذا الجانب له مزاياه وسلبياته، من أهم مزاياه أن الزوجة والأبناء تصبح مداركهم أكثر وأوسع، ونظرتهم للأمور أشمل، وقراءتهم للآخر أكثر دقة وعمقاً، فالمكان الجديد يخلق داخل النفس مساحة جميلة للتأمل والتدبر، أما سلبياته فهي التنقل المستمر، فزوجة السفير تهدم منزلها كل أربع سنوات، لتعيد بناءه في مكان آخر، وسط وجوه وأسماء وثقافات جديدة، وهي عملية مرهقة بالنسبة لهم نوعاً ما، بخاصة للأطفال والأبناء الذين يجدون صعوبة في تقبله، فهم محرومون من الصداقات، ومن الاستقرار في مدارسهم، والمجتمع المحيط بهم». ويؤكد السفير المصري أن ل«باكستان حضوراً مختلفاً، في ذاكرته، فهم شعب ودود للغاية، يكنون للشعب المصري كل تقدير واحترام»، وأنه خلال عمله بها تلمس لغة وثقافة وفكراً مختلفاً تماماً عن أي مكان آخر ذهب إليه، موضحاً أن السعودية لها مكانة خاصة في قلبه، عوضاً عن مكانتها الدينية في قلب كل مسلم، «فهي بلد المقدسات، التي يمكن أن تذهب إليها في أي وقت تشاء من دون أن يعوقك شيء، كما أنها الدولة الأقرب إلى مصر، ويحظى المصريون بها بكل رعاية، نظراً لطبيعة العلاقة الوثيقة التي تربط بين الرئيس حسني مبارك والملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهي علاقة يشعر بها جميع المصريين العاملين في المملكة». وحول سبب تأثره بباكستان على رغم تعرض السفارة المصرية بها لهجوم إرهابي، راح ضحيته عدد من الديبلوماسيين المصريين، قال «عوف» ل«الحياة»: «تعرف أن من قام بهذا الفعل هم ليسوا باكستانيين، إنهم مجموعة إرهابية، لا تنتمي لأرض ولا مكان، تسعى للتخريب والقتل ونشر الفوضى في المكان الذي تحل به». وعن أكثر مكان يتردد عليه في الرياض قال: «حي المنفوحة، أتردد عليه كثيراً، وقد يتعجب كثير من المصريين وهم يقرأون هذا الكلام، فأنا أزور الحي وأنا أرتدي ثوباً عاديّاً، غير ملفت ومن دون أن أكشف عن شخصيتي، وأدخل لأصلي معهم في المساجد، من دون أن يعرف احد أن من يقف بجواره هو السفير، وأستمع إلى مناقشاتهم في ما بينهم، التي من خلالها أتعرف على طبيعة المشكلات التي يواجهونها». واختتم السفير المصري حديثه ل«الحياة» بالقول: «نحن نخدم عدداً هائلاً وضخماً من المصريين، وبالتأكيد لن ترضيهم جميعاً، لكننا نعمل طالبين الأجر من الله، والحمد لله أن الجالية المصرية في المملكة تحظى بسمعة طيبة، وباحترام وتقدير من الأخوة السعوديين، وأنا أوجه لهم رسالة عبر «الحياة» حال وجود مشكلات بينهم وبين أي طرف آخر من الإخوة السعوديين، أن يتقدموا للقسم القنصلي، لحل الموضوع بشكل ودي، وعليهم أن يثقوا أن فريق العمل سيقوم بما يجب وبما فيه الصالح».