للمرة الأولى فاجأنا وزير الثقافة والإعلام السعودي الدكتور عبدالعزيز خوجة، حينما وافق على إجراء حوار تلفزيوني معه على قناة «LBC» اللبنانية، ما كان بمثابة المفاجأة من العيار الثقيل على المجتمع الإعلامي والثقافي في أول ظهور تلفزيوني له، فقد تعود الإعلاميون في حقبة وزراء الإعلام السابقين على مصافحتهم في المناسبات أو في اجتماع رسمي فقط، والمفاجأة الأخرى حينما اعتذر في اللقاء التلفزيوني من المثقفين على ما بدر من سوء تصرف من بعض رجال الهيئة في معرض الرياض للكتاب، أما المفاجأة الأخرى التي لم تكن متوقعة فهي أنه فتح صفحة لنفسه في الموقع الشهير «FACEBOOK»، وبدأ يتواصل مع كثير من الأصدقاء والزملاء، وتوالت مفاجآت الوزير، حتى أصبحت شغلنا الشاغل لمتابعة أخباره الجديدة، منها حواره مع الزميل عضوان الأحمري، الذي نُشر في صحيفة «الوطن»، وكان الحوار لافتاً للانتباه لأنه تم بواسطة دردشة على «الفيس بوك»، والحقيقة أني لست بصدد أن اذكر الايجابيات التي وجدها المجتمع الإعلامي والثقافي من هذا الانفتاح الذي أحدثه الوزير في علاقاته، فضلاً عن رغبته في تطوير جهاز الإعلام. الشيء اللافت هو أن وزارة الإعلام شعرت أنها تأخرت كثيراً في إعادة كسب مشاهديها الذين هربوا منها إلى القنوات الفضائية التجارية الأخرى، نتيجة تدني مستوى البرامج والطرح الرسمي وركاكة لغة مذيعيها وغيابها عن هموم المشاهد، فتشعر وأنت تشاهد القنوات التلفزيونية السعودية كأنك أمام قوالب جامدة لا تمت إلى فنون الإعلام بصلة، من إبهار وتميز وتفاعل وكفاءة إعلامية وجودة المنتج، وكنا نتوقع أن ترتقي القنوات الحالية بمستوى البرامج وأسلوب التقديم ورفع مستوى التدريب لدى العاملين من مذيعين ومراسلين ومعدي برامج، حتى من الناحية الفنية والإخراجية والإدارية، أو التغطيات الإخبارية وإعداد التقارير المصورة، كنا نأمل أن تعود القنوات التلفزيونية المحلية إلى جذب المشاهدين واستعادة حصتها من سوق المشاهدة بعد أن تراجعت إلى قبل نحو عقدين لغيابها الكامل، وتوقعنا أنها كانت ستنشط على الأقل في إنتاج المسلسلات المحلية والمسرحيات وتكثف جهودها في إبراز الفن السعودي المرتبط بالبيئة السعودية، لكن غياب الإعلام السعودي - وأقصد هنا التلفزيون والإذاعة - عن طرح القضايا المهمة ومناقشتها وعدم تحديد هويتها أسهم في ترك المجال أمام القنوات الفضائية لاكتساب حصة كبيرة من السوق السعودية، سواء من حيث الطرح أو المناقشة. في العمل التلفزيوني يبحث المشاهد عما يلفت انتباهه ويسرقه من بين كثير من القنوات التي يزخر بها فضاؤنا، وكانت الفرصة متاحة أمام جهاز التلفزيون للتطوير، خصوصاً مع الموازنات الضخمة له والإنفاق الحكومي بسخاء، وكان يمكن أن يحقق نجاحات جيدة، ومع ذلك بقي كما هو رتيباً ومملاً، والناس لا تحب أن تشاهده سوى عند نشرة أخبار التاسعة، وهي الدقائق الأولى لنشرة الأخبار لتعرف أحوال البلد، وبعدها تطير إلى أي قناة أخرى. قد يقول بعضنا إن القنوات الفضائية الأخرى أخذت من العنصر النسائي وسيلة لجذب المشاهد، والحقيقة أن هذا الكلام قد يكون صحيحاً إلى حد معقول، فحينما تكون المذيعة لديها القدرة على الحوار مثل «شذى عمر» في الفضائية اللبنانية في برنامج «الحدث»، و«منتهى الرمحي» في قناة العربية مقدمة برنامج «بانوراما»، كما برزت محلياً الزميلة المتألقة «ريما الشامخ» في قناة الإخبارية في برنامج «برسم الصحافة»، فمتى ما أوجدنا كفاءات إعلامية من دون تمييز، أو فوبيا إعلامية من العناصر النسائية، فبالتأكيد سنكسب عناصر جيدة، وهناك أسماء موجودة في الساحة تحتاج إلى منح الفرصة والتشجيع. من الناحية الاقتصادية يرى كثيرون من خبراء الإعلام أن الإنفاق على المشاريع الإعلامية، خصوصاً التلفزيون والإذاعة، يتطلب طولة بال وصبراً من أجل استعادة رأس المال أو تحقيق أرباح، الشيء المفيد أن التلفزيون السعودي تخلص من إشكالية استعادة رأس المال لكونه جهازاً حكومياً، فكان يستنزف موازنات على حساب برامج لا ترتقي إلى المستوى المطلوب، أو من حجم الإنفاق، فهذه البرامج مقارنة بالقنوات الفضائية الأخرى بدائية وليس فيها جوانب فنية إخراجية مغرية للمشاهد أن يتابعها، فيما أن كلفة الإنتاج نفسها لو تم تنفيذ العمل بها في قنوات فضائية أخرى لجاءت النتيجة مشوقة ولافتة وربما أقل كلفة. النظر إلى أن التلفزيونات الحكومية مؤسسات خيرية يجب الإنفاق عليها من دون تحقيق عوائد مادية، نظرة قديمة ولا تخلق منافسة ولا إبداعاً، بل قد تتسبب في تدني مستوى العمل، على اعتبار أن المشاهد السعودي سيعود إليها مهما طال الزمن أو بعد، وهذا ليس صحيحا، فسوق الإعلانات، بحسب تقرير صادر عن نادي دبي للصحافة على هامش منتدى الإعلام العربي، أوضح أن التلفزيون السعودي يستأثر حالياً بما نسبته 7 في المئة من إجمالي الإنفاق الإعلاني في المملكة، ومن غير المتوقع أن ينمو بشكل كبير وهو يواجه منافسة كبيرة من محطات تلفزيونية يغطي بثها العالم العربي بأكمله، وتستهدف السوق السعودية، إضافة إلى المنافسة المتنامية من قطاع الإذاعة. وأضاف التقرير أن المعلنين في السوق السعودية يقومون بتطوير حملات خاصة تبث عبر القنوات التلفزيونية مثل مجموعة «إم بي سي» و«روتانا»، لاستهداف السوق السعودية التي تمثل السوق الأضخم في المنطقة من حيث عدد السكان والقوة الشرائية، في الوقت الذي كانت فيه حصة الإذاعة من الإنفاق الإعلاني صغيرة جداً، مع وجود لاعبين رئيسين هما خدمة البث الإذاعية السعودية المملوكة للحكومة وإذاعة «MBC-FM» الخاصة. عادة يتطلب لافتتاح قناة فضائية واحدة شهوراً عدة قد تصل إلى سنة، وهذا الأمر يعود إلى اختيار فريق العمل من معدي برامج، أو إنتاج برامج خاصة، أو تدريب كفاءات، من أجل الخروج بعمل إعلامي مميز، وحينما يكون الأمر متعلقاً بالتلفزيون السعودي فهذا يعني ليس فقط تخصيص موازنة عالية، بل هي أيضاً تتكئ على خبرة طويلة في مجال الإعلام تعود إلى أكثر من 30 عاماً، فهذا يعني أنه بعد كل هذه التجربة والخبرة من المخجل أن تخرج لنا قنوات معلبة لا تتماشى مع التطور الإعلامي والفضائي الذي تشهده صناعة التلفزيون. بقدر ما فرحت بهذه القنوات الجديدة لكونها ستستوعب مهارات إعلامية أو أنها ستدربهم، إلا أنني استغربت أولاً من جملة هذه القنوات التي ليس لها طعم ولا رائحة، خمس قنوات خلال أقل من أربعة أشهر! بدءاً من «أجيال»، وهي موجهة إلى الأطفال، وقنوات الاقتصادية والثقافية والقرآن والسنة النبوية، أرجوكم شاهدوا هذه القنوات الجديدة وقبلها القنوات الأربع واخبروني هل بالفعل تغريكم هذه البرامج؟ هل تجدون ما يشد انتباهكم؟ هل من المعقول أن تظهر قناة ليس لها قائمة أو خطة برامج؟ وهل يعقل أن تفتتح قناة تلفزيونية وهي تبث برامج سبق عرضها في التلفزيون المحلي أو ربطها بقناة أخرى ببث مباشر؟ وهل من المعقول أن تسند إدارة كل هذه القنوات إلى شركة واحدة؟ كنا نأمل أن تسرق القنوات الجديدة عيوننا، ولكن يبدو أننا سنعود إلى جهاز «الريموت كنترول» لنتحكم في أعصابنا. * إعلامي وكاتب اقتصادي [email protected]