اشتبك آلاف المسيحيين مع قوات الأمن في مدينة نجع حمادي في صعيد مصر، إثر هجوم بالرصاص نفذه مسلحون مجهولون على الكنيسة الرئيسة في المدينة بعد قداس ليلة عيد الميلاد الذي احتفل به الأقباط أمس، وأدى إلى مقتل 6 من المحتفلين وشرطي مسلم وجرح 9 آخرين، خمسة منهم في حال الخطر. ويعتقد أن للهجوم الذي نفذ منتصف ليل الأربعاء - الخميس، صلة بالاشتباكات التي شهدتها نجع حمادي التابعة لمحافظة قنا (700 كلم جنوبالقاهرة) في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حين اغتصب رجل قبطي طفلة مسلمة تحت تهديد السلاح، وتدخلت الشرطة والأجهزة المحلية آنذاك للصلح بين الطرفين. وهاجم ثلاثة مسلحين ملثمين يستقلون سيارة من طراز «فيات» خضراء اللون، بحسب رواية شهود عيان، أقباطاً لدى خروجهم من مطرانية نجع حمادي بعد قداس الميلاد. وقال أحد الشهود ل «الحياة»: «فوجئنا قبل منتصف الليل لدى خروجنا من الكنيسة بملثمين يفتحون النار علينا... شاهدنا سيارة مسرعة خرج منها اثنان ليفتحا نيران أسلحتهما الرشاشة على المصلين». وأشار إلى أن «عشرات الضحايا سقطوا، وقُتل أحد أفراد الشرطة القائمين على حراسة الكنيسة». وفي وقت أكدت مصادر أمنية أنها توصلت إلى شخصية الجناة واعتقلت مشتبهاً به، مستبعدة وقوف إسلاميين أصوليين وراء الحادث، اتهم مطران كنيسة نجع حمادي الأنبا كيرلس أجهزة الأمن في المدينة بالتواطؤ مع الجناة «بتحريض من نواب من الحزب الوطني» الحاكم. وأكد ل «الحياة» تلقيه «تهديدات بتنفيذ الهجوم من مجهولين قبل يومين، وأبلغت الشرطة بها». وقال إن «الشرطة تعلم (هوية) منفذي الهجوم، ولم تلق القبض عليهم قبل وقوع الحادث». وشهدت المدينة ظهر أمس اشتباكات بين عناصر الأمن وأقباط غاضبين، إذ رفض أهالي القتلى استلام جثث ذويهم من مستشفى نجع حمادي قبل إلقاء القبض على منفذي الهجوم. وتجمع نحو ثلاثة آلاف مسيحي من سكان المدينة أمام ساحة المستشفى وبدأوا في رشق عناصر الأمن بالحجارة، فأطلقت الشرطة الرصاص المطاطي واستخدمت خراطيم المياه في محاولة لتفريقهم. وقال شهود إن الاشتباكات أوقعت عشرات المصابين. وذكرت وكالة «رويترز» أن مئات المسيحيين حطموا سيارات تابعة للمستشفى وسيارات خاصة وأخذوا يرددون هتافات منها: «بالروح بالدم نفديك يا صليب»، وانهم أخذوا جثث القتلى من المستشفى عنوة وتوجهوا بها إلى مطرانية المدينة لإقامة قداس عليها تمهيداً لدفنها، وقذفوا بالحجارة مقر شرطة النجدة ومسجداً وحطموا سيارات ومتاجر في طريقهم من المستشفى إلى المطرانية وأنزلوا صوراً للرئيس حسني مبارك وحطموها. وطالبوا بإقالة محافظ قنا مجدي أيوب، وهو المسيحي الوحيد بين 29 محافظاً، متهمينه بالتراخي في توفير حماية للأقباط. وأعلنت مصادر أمنية أن الشرطة فرضت حظر التجول في المدينة، في محاولة لفرض سيطرتها على الموقف المتأزم. وأشارت إلى أنه «تم الدفع بتعزيزات من خارج المدينة في أعقاب الحادث»، لافتة إلى أن المهاجمين «عاودوا في طريق فرارهم إطلاق النار على بعض المتواجدين أمام دير الأنبا بضابا الموجود في إحدى المناطق الزراعية المتاخمة لمدينة نجع حمادي». وأكدت التوصل إلى شخصية الجاني وهو مسجل خطر لدى الأمن يدعى محمد أحمد حسين، وأن الأجهزة الأمنية تكثف إجراءاتها لضبطه. ورجحت أن يكون فر ومعاوناه إلى المناطق الجبلية المتاخمة لنجع حمادي. واستبعدت في شدة وقوف جهات أصولية وراء الحادث، مشددة على أن «المعلومات تؤكد وجود مؤشرات مبدئية إلى ارتباط الحادث بتداعيات الاشتباكات في فرشوط»، في إشارة إلى حادثة اغتصاب الطفلة المسلمة قبل شهرين. وكلف النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود أجهزة الأمن المختلفة بإجراء تحرياتها لضبط الجناة، كما أمر بدفن جثث القتلى بعد تشريحها لمعرفة أسباب الوفاة بدقة. واستمع فريق من محققي نيابة شمال قنا أمس إلى أقوال المصابين في الحادث. وقالت مصادر قبطية ل «الحياة» إن قيادات قبطية في القاهرة تدخلت لتهدئة الموقف في نجع حمادي بعد الاشتباكات التي وقعت بين الشرطة وأهالي القتلى. وأشارت إلى أن «الأهالي بدأوا في تشييع جثامين القتلى، غير أن الموقف لا يزال متأزماً، وهناك شعور بالغبن لدى أهالي المدينة». وأشار سكان إلى عودة الهدوء الحذر إلى نجع حمادي، مع مشاركة محافظ قنا وكبار المسؤولين الأمنيين في المحافظة آلاف الأقباط في تشييع القتلى. لكن الموقف قد يعاود الاشتعال في حال عدم تمكن الشرطة من ضبط الجناة في أقرب وقت. وعلى رغم وقوع الحادث عشية عيد الميلاد، فإنه لم يؤثر على الاحتفالات، إذ ازدحمت الكنائس والحدائق والمتنزهات بمئات الآلاف في محافظات مختلفة، فيما بعثت قيادات الدولة ببرقيات تهنئة إلى بطريرك الأقباط البابا شنودة الثالث، بعدما شارك نجل الرئيس جمال مبارك في قداس الميلاد في بطريركية العباسية في القاهرة.