تضطر اللاجئة السورية صفاء (اسم مستعار) إلى القبول بالعمل في منزل ساعات طويلة بأجور زهيدة، من أجل أن تجد مأوى لها ولابنها بعد أن توفي زوجها الذي كان قضى في الحرب السورية قبل نحو أكثر من عام. ولا تجرؤ صفاء التي لجأت إلى الأردن قبل عامين على الشكوى من صاحب المنزل، خوفاً من أن تعيدها الشرطة إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين الذي ذاقت فيه الأمرّين، لا سيما أن صاحب المنزل هو من تكفل بإخراجها من المخيّم لدى الأجهزة الأمنية. وعلى رغم أن صفاء تنوء بما تحمله من عناء العمل المتواصل في ما خلا بعض ساعات تخلد فيها إلى النوم، بعد أن يعود الهدوء إلى المنزل الذي يعج دائماً بالزوار كون صاحبه على رأس عشيرة أردنية كريمة، إلا أنها لا تتقاضى ما تتقاضاه أي عاملة منزل آسيوية أو أفريقية من أجر. فالعاملات الآسيويات والأفريقيات، وفق صفاء، لديهن سفارات تنظّم عقود عملهن مع أصحاب المنازل وتتابع مشكلاتهن، وترفع قضايا بحق من يسيء لهن، بيد أن العاملة السورية اللاجئة لا تجرؤ على الوصول إلى سفارة بلادها، والتي تصفها بالمركز الأمني والاستخباراتي، خوفاً من أن يسجلوا اسمها كمعارضة ويتعرّض أقاربها الذين لم ينزحوا أو يتهجروا إلى أذى. من جانبها، تؤكد اللاجئة السورية أسماء أنها لا تحصل على أي حق من حقوقها إلا بما تجود به نفس صاحب المنزل عليها، فلا قانون أو عقد ينظّم العلاقة بينه وبينها. وتضيف أنها لم تكن تعمل في الخدمة المنزلية في سورية، غير أن ما حلّ بها وبأسرتها الكبيرة دفع بها إلى دخول هذا المجال لتتمكن من تربية ولديها اللذين لا يزالان صغيرين جداً (5-6 أعوام)، وسط الأسعار الملتهبة للمواد التموينية والغذائية في الأردن، وارتفاع إيجارات المنازل إلى حد لا يكفي ضعف راتبها الذي تتقاضاه من تغطيته. وتوضح أسماء أنها اختارت هذا العمل لتوفر المأكل والمأوى والحماية لطفليها اللذين حرمتهما الظروف المأسوية من والدهما، الذي لا تعرف شيئاً عن مصيره، بعدما طال غيابه فاضطرت للجوء إلى الأردن لإطعامهما. وتشير إلى أن الأوضاع المتدهورة حرمت صغيريها أيضاً من طفولتهما ومشاعرها البريئة، فغالباً ما يفيق كبيرهما من النوم جزعاً من كوابيس البراميل المتفجّرة التي كانت الطائرات تلقيها على «حيّنا في حلب مبعثرة الأماكن حيث كان يلهو». وتضيف: «في إحدى المرات وقبل نزوحنا ولجوئنا إلى الأردن، استفاق من النوم وخرج من المنزل ثم عاد وسألني إن كنا لا نزال نقيم في الحي ذاته؟». وعلى المشكلات التي أفرزها انتشار اللاجئين السوريين بكثافة في الأردن على البنى التحتية الخدمية والمصادر الطبيعية كالمياه، فضلاً عن البطالة، إلا أن قطاعات تجارية وصناعية وجدت في هذا اللجوء فرصاً للاستفادة من اليد العاملة غير الخاضعة للتنظيم، وبعيداً من أعين مفتشي وزارة العمل. ومنذ بدء الأزمة السورية قبل أكثر من أربعة أعوام، تمكّن عشرات آلاف السوريين من مغادرة مخيم الزعتري بكفالة أردنيين، بحجة صلات مصاهرة أو قرابة أو صداقة وثيقة معهم. ويعمل هؤلاء اللاجئون في القطاعات الاقتصادية والتجارية والخدمية لدرجة سيطرة هذة العمالة في مناطق عدة، ما ساهم في خلق حالة من البطالة لم يكن يعرفها المجتمع الأردني بين غير المتعلمين. ويستضيف الأردن أكثر من 1,5 مليون سوري تم استيعاب أقل من نصفهم في مخيمات في محافظات الشمال على نفقة الأممالمتحدة والدول المانحة، فيما تعيش غالبيتهم بإمكاناتها المالية الخاصة. وتلفت الناطقة باسم المفوضية السامية للاجئين في الأردن ديما حمدان، إلى أن عدد المسجلين في المفوضية بلغ حوالى 600 ألف لاجئ منذ بداية الأزمة السورية في منتصف آذار (مارس) من عام 2011، وحتى نهاية العام 2013. فيما تفيد إحصاءات رسمية صادرة عن إدارة شؤون المخيمات التابعة لوزارة الداخلية الأردنية، أن عدد السوريين الموجودين في الأردن قبل الأزمة وبعدها يبلغ حوالى 1,7 مليون شخص، منهم 750 ألفاً كانوا موجودين في المملكة قبل الأزمة. وتشمل هذه الأعداد المسجلين في مخيمات الزعتري ومريجيب الفهود والرمثا.