أثارت التدابير الأمنية المشددة التي طلبت الولاياتالمتحدة من دول العالم تنفيذها قبل سفر مواطني 14 دولة إلى الأراضي الأميركية انقساماً حاداً في الرأي العام العالمي والمحلي، بين فئات تؤيد حقاً سيادياً للولايات المتحدة التي تخشى على أمنها وهي تخوض تحدياً مكشوفاً من المنظمات الإرهابية التابعة لتنظيم «القاعدة»، خصوصاً ما يسمى «القاعدة في جزيرة العرب»، وبين فئات تعتبر تلك الإجراءات هوساً عنصرياً جديداً ضد المسلمين، وانتهاكاً لخصوصية المسافرين بتعريضهم لأجهزة المسح الضوئي، التي اعتبرت منظمات حقوقية غربية أنها تنتهك بوجه خاص القوانين التي تحظر التحرش الجنسي بالأطفال. فيما عدّها رجال أعمال سعوديون وباكستانيون «مضايقة لا تستحق عناء السفر إلى أميركا مهما كانت دواعيه». وشكت شركات طيران في أنحاء العالم من أن الإجراءات الجديدة أدت إلى تكدس المطارات بالمسافرين، وأوجدت طوابير طويلة بانتظار مرور كل مسافر عبر أكثر من نقطة تفتيش. واعتبر الخبير الأمني الأميركي ادوارد آلدن أن الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها الولاياتالمتحدة على قسم من المسافرين في أعقاب محاولة التفجير الفاشلة لطائرة أميركية في رحلتها بين أمستردام وديترويت «في غير محلها» وقد لا تكون فاعلة. وقال الخبير الأمني لدى مجلس العلاقات الخارجية، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس»: «أعتقد بأنه رد في غير محله سيضر بالولاياتالمتحدة أكثر مما سينفعها». ولفت آلدن إلى أن إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش أدركت «ضرورة التعامل مع الناس فردياً، لأن بعض المسيئين يفدون من بلدان اعتبرناها خيّرة». وأكد أن التعامل مع هذا الملف مع مراعاة التفاصيل «أدى إلى سلسلة من التطورات (...) ومنها لوائح بأسماء أفراد خاضعين للمراقبة، ومشاطرة المعلومات من ضمن الحكومة ومع الحلفاء». وأكد آلدن أن أي مقاربة منبثقة من رد فعل لن تغير إجراءات التجنيد التي تتبعها «القاعدة». وقال: «إن أي نظام رصد شمولي يستند إلى الجنسية (...) سيسهل على «القاعدة» تجاوزه عبر تجنيد عناصر في مكان آخر، والمثال النموذجي على ذلك هو قضية ريتشارد ريد الذي حاول إخفاء متفجرات في حذائه». وأوضح أن ريد «كان يحمل جواز سفر بريطانياً، وبالتالي لكان تعذر رصده من خلال النظام الجديد الذي اعتمدته إدارة أمن النقل الأميركية». وحاول ريد، على غرار النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب، إشعال مواد متفجرة على متن طائرة في عام 2001. وفي الحالتين بادر الركاب والطاقم إلى السيطرة على الرجلين. وحض آلدن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما على بذل الجهود لتحسين مشاطرة معلومات الاستخبارات وأجهزة المراقبة. وأضاف: «يكمن التحدي في تحسين أداء النظام المحدد الأهداف، وهذا هو موضوع المراجعات الكثيرة التي تجريها الإدارة الحالية. لكن فرض نظام شمولي إضافي يستهدف جميع رعايا تلك الدول سيكون غير فاعل وسيضر بمصالح الولاياتالمتحدة». واضطرت هيئة الطيران المدني البريطانية أمس إلى تأجيل تشغيل جهاز المسح الضوئي الذي يكشف الجسد البشري بالكامل، وذلك بعدما أثار محامون وناشطون حقوقيون ادعاءات بأن عملية المسح الضوئي تكاد تمثل عملية نزع ثياب المسافر بدعوى تفتيشه، كما أنها تنتهك القوانين الخاصة بمنع التحرش الجنسي بالأطفال. وتظهر الأجهزة صوراً دقيقة للجسد البشري بما في ذلك الأعضاء التناسلية للرجل والمرأة. وقالت صحيفة «ديلي ميل» أمس إن الحكومة البريطانية ستكون مضطرة لإعلان استثناء الأطفال دون سن ال18 من الخضوع لجهاز المسح الضوئي، وستضطر لتأجيل استخدام «الماسحة الضوئية» إلى حين تعديل القانون بما لا يخضعها للمساءلة، وسادت تكهّنات في لندن بأن صور الماسحة الضوئية التي ستلتقط للمشاهير من المسافرين قد تتسرب إلى شبكة «الإنترنت» أو توزع بطريقة منافية للقانون. وتوجد 4 ماسحات ضوئية في مطار هيثرو في لندن، قيمة كل منها 80 ألف جنيه إسترليني (4.8 مليون ريال سعودي) لم يؤذن لموظفي المطار باستخدامها بسبب الثغرات القانونية المشار إليها، بينما أعلنت ألمانياوالولاياتالمتحدة أنهما شرعتا في استخدامها وقالت نيجيريا وهولندا إنهما تنويان استخدامها قريباً. وتكهّن مسؤولو وكالات سفر وسياحة في الرياض بأن الإجراءات الجديدة ستؤدي إلى هبوط عدد المسافرين جواً إلى أميركا من السعودية. وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أمس أن الإجراءات الأمنية الأميركية الجديدة تمنح قبطان الطائرة حق منع الركاب من وضع وسائد وبطانيات في مقاعدهم أثناء الرحلة. كما أنه سيكون من حق قائد الطائرة منع الركاب من مغادرة مقاعدهم طوال زمن الرحلة. وكلمة السر في الإجراءات الجديدة هي جنسية المسافر أو لونه أو دينه، إذ لوحظ أن الدول ال14 التي تشملها الإجراءات ذات غالبية سكانية تدين بالإسلام، عدا كوبا. وقال خبراء في لندن وواشنطن ان تنفيذ التدابير الجديدة يعني إطلاق حكم مسبق بأن المسلمين عرضة للإرهاب أكثر من غيرهم من بقية البشر. وأشارت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية أمس إلى أن لندن تواجه ضغوطاً مكثفة لإصدار قرارات مشابهة لما أعلنته إدارة الرئيس باراك أوباما. ونقلت عن هيئة الطيران المدني البريطانية قولها في بيان: «إننا نرى أن مزيجاً من التكنولوجيا والاستخبارات وتصنيف المسافرين سيساعد في بناء قاعدة دفاعية قوية ضد التهديد الإرهابي ذي الطبيعة المتغيرة والذي لا يمكن التنبؤ بما سيكون عليه». يذكر أن إجراءات التفتيش الدقيق التي فرضتها الولاياتالمتحدة اعتباراً من الاثنين لم تكن تطبق في العالم إلا في إسرائيل، إذ إن المسافر على متن رحلات خطوط «العال» يتم تصنيفه على أساس جواز السفر الذي يحمله، وإذا اتضح أنه يحمل تأشيرة من بلد عربي أو مسلم فإنه يعد في الحال «خطراً إرهابياً كبيراً»، ومن ثم يتم إخضاعه لجهاز المسح الضوئي، ثم يتم إخضاعه لاستجواب مطول، وتفتيش بدني محرج، ويتم تفتيش أمتعته بدقة شديدة. وحذّرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أمس من أن استهداف المسلمين وإلصاق صورة الإرهاب بهم يعد «وصفة أكيدة لعدم الأمان». واتهمت «منظرين أميركيين لديهم أجندة خاصة باستغلال حادثة عبدالمطلب للمطالبة بفتح جبهات جديدة في الحرب على الإرهاب يكون قوامها تصنيف المسلمين في مطارات العالم». وشددت على أن اليمن - حيث مكث عبدالمطلب بضعة أشهر قبل قيامه برحلته التي انتهت بفشل محاولته تفجير طائرة أميركية في يوم عيد الميلاد - «ليس وطناً راغباً في استضافة تنظيم «القاعدة» وإنما هو ضحية لأيديولوجية التطرف والتكفير».