{ تتمتع جيبوتي - التي كانت آخر مستعمرة فرنسية نالت استقلالها في عام 1977 - بموقع استراتيجي فريد، تطل منه على خليج عدن ومضيق باب المندب. وبعدما أضحت جزءاً حيوياً من السياسة الخارجية الأميركية، خصوصاً في الحرب ضد «القاعدة»، اكتسبت أهمية متزايدة لدول التحالف الذي تقوده السعودية ضد الانقلاب الحوثي في اليمن. والممسك بمفاتيح سياسة المرور الآمن فوق ألغام المنطقة والعالم هو الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمل غيلي الذي وصل إلى الحكم، بعد عمله الطويل مديراً لمكتب الرئيس المؤسس حسن غوليد. وغيلي يقابل الهموم الكبيرة لبلاده الصغيرة بابتسامة، ربما يتغلب بها على السهر على وضع الاستراتيجيات الكفيلة بالنجاة من «المطبات» التي تواجهها جيبوتي من الحرب الأهلية في جارتها الصومال، والتوتر مع إريتريا، والحرب في اليمن، والإرهاب المقبل من كل اتجاه. وهي ابتسامة تنم عن تواضع الرئيس غيلي الذي تكاد لا تميزه من بين معاونيه ومرافقيه. وأكد غيلي في الحلقة الأولى من حواره مع «الحياة» (أمس) متانة العلاقات بين السعودية وجيبوتي، وأن جهود التنسيق الأمني المتواصل بين البلدين ستكلل قريباً بتوقيع اتفاق أمني. ووصف بلاده بأنها «قنطرة جغرافية وثقافية» تربط العرب بشرق القارة الأفريقية، مؤكداً أن العلاقات مع دول الخليج العربية «خاصة وتاريخية»، كاشفاً أن بلاده تلقت أخيراً 200 مليون دولار من دول الخليج لدعم التنمية في جيبوتي. وأشار - في الحلقة الثانية من حواره مع «الحياة» أثناء زيارة قام بها أخيراً للعاصمة الفرنسية باريس - إلى أن جيبوتي جزء من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب. وأنها تبذل جهوداً للقضاء عليه، محذراً من أن الصراع في اليمن يثير مخاطر تعزيز إرهاب تنظيم «القاعدة» ليشكل خطراً على المنطقة بأسرها. وكشف أنه لم يتخذ بعد قراراً في شأن ما إذا كان سيسعى إلى ولاية رئاسية جديدة، لكنه قال إن الوصول إلى الحكم «يتوقف على اختيار الشعب الذي يجب أن تحترم إرادته». وألمح إلى إمكان لجوء بلاده إلى التحكيم الدولي في حال فشل وساطة قطرية بين جيبوتي وإريتريا. وأوضح أن بلاده استقبلت حتى الآن 10 آلاف لاجئ يمني. ونفى أن تكون للرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح استثمارات أو أملاك في جيبوتي. وقال إن الصلة بينهما انقطعت بعد خلعه إثر المبادرة الخليجية في اليمن. وشدد على تأييد بلاده لسياسات السعودية لدعم الشرعية وترسيخ الاستقرار في اليمن، واصفاً المملكة بأنها شريك استراتيجي لجيبوتي في مختلف المجالات. وقال إن لا وجود إيرانياً في جيبوتي. وأكد أن بلاده تعمل بدأب لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير مزيد من فرص العمل، وتحقيق التنمية الاجتماعية المنشودة. إلى مضابط الحوار: يبدو المشهد السياسي في بلادكم قاتماً بسبب طموحات المعارضة للحكم، وانتقاداتها الجمّة لأداء حكومتكم، كيف تبدو الصورة من ناحيتكم؟ - تبدو الصورة من ناحيتنا عكس ذلك تماماً. وكما تعلمون، فقد وقعنا مع المعارضة أواخر كانون الأول (ديسمبر) 2014 اتفاقاً تاريخياً برهن على مدى نضج الجيبوتيين ووعيهم السياسي العالي، ومن شأن هذا الاتفاق، الذي توصل إليه الجيبوتيون من دون أي تدخل من جهات خارجية أن يفتح الباب واسعاً أمام تضافر الجهود، وضمان أقصى قدر من التعاون بين مختلف القوى السياسية الفاعلة في بلادنا، في سبيل ترسيخ ديموقراطيتنا الفتية، وإثراء العمل السياسي والنيابي، فضلاً عن تعزيز المكتسبات الوطنية. كيف تحاولون التغلب على مشكلة انعدام الموارد الطبيعية في البلاد؟ وهل حقّقتم أي نجاح في استثمار الموقع الاستراتيجي لميناء جيبوتي؟ - صحيح أن موارد جيبوتي محدودة، إلا أن التخطيط الاستراتيجي للدولة ينصب على تحسين أوضاع حياة المواطنين، وتحقيق الرفاهية لهم. ومقتضيات السياسات المرسومة تستهدف الوصول بهذا المخطط الاستراتيجي إلى أهدافه وغاياته المنشودة. وقد حققت الجهود الدؤوبة التي تبذلها الحكومة في هذا الصدد إنجازات باهرة في مسيرة البناء والتنمية الشاملة في إطار منظومة التطوير والتحديث التي تستند إلى رؤية تستشرف آفاق مستقبل مشرق وعهد جديد من الرخاء والازدهار. فعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، تحققت تحولات كبيرة انعكست بشكل إيجابي على حياة المواطنين وأسهمت في تحقيق الاقتصاد الوطني نمواً لافتاً. وفي ظل سعينا الحثيث إلى تحقيق التنمية المستدامة، فإننا نتوقع أن تتسارع وتيرة هذه الإنجازات في غضون السنوات المقبلة، عبر تعزيز وتكثيف المشاريع الحيوية، ومن ضمنها مشاريع عملاقة ذات طابع اقتصادي تكاملي إقليمي. ولاستغلال مزايا موقعنا الجيو-استراتيجي المهم، سنمضي قدماً في السياسات المثمرة التي انتهجناها خلال العقدين الأخيرين، من خلال تبني مزيد من الإجراءات الرامية إلى تطوير البنية التحتية الخدمية من قبيل الموانئ والمطارات وشبكات النقل، بغية تعزيز القدرة التنافسية لبلادنا كمركز اقتصادي ومالي إقليمي بارز، قادر على استقطاب الاستثمارات الأجنبية. وبالفعل فإننا قطعنا شوطاً كبيراً في هذا الاتجاه، ونسعى إلى إحراز مزيد من التقدم والتطور في الفترة المقبلة. مشاريع جادة لكبح الفقر إلى أين وصلت مساعي حكومتكم في مكافحة الفقر والبطالة وتعميم الخدمات الصحية؟ هل ترصدون ذلك بأرقام وإحصاءات، أم أنكم لم تغادروا محطة الأمل والتمنيات؟ - الفقر ليس ظاهرة يقتصر وجودها على بلد بعينه، بل يشكل تحدياً دولياً تواجهه غالبية شعوب العالم، وهو أشد وطأة في كثير من البلدان التي تمتلك مقدرات اقتصادية أكبر من التي نمتلكها، ولعل هذا كان وراء إطلاق مبادرة الأممالمتحدة التي عرفت بأهداف الألفية الإنمائية، ومنها تقليص الفقر. ونحن، باعتبارنا جزءاً من شعوب العالم التي أجمعت على تبني هذه المبادرة، نسعى إلى محاربة الفقر، وتبنَّيْنا لهذا الغرض في عام 2007 مشروعاً طموحاً، استهدف مساعدة الشرائح الأكثر احتياجاً في المجتمع، والتي لم تستفد من الازدهار الاقتصادي الذي تشهده بلادنا منذ العام 2006، وتم في ضوء هذا المشروع تبني الكثير من آليات العمل، أبرزها المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية، التي تعتبر إطاراً لبرامج الحكومة الموجّهة لمكافحة الفقر والإقصاء. وأحرزنا تقدماً ملموساً في الجهود التي بذلناها لانتشال الشرائح الفقيرة، وتحسين أوضاع حياتها، من خلال توفير المقومات التي تسمح لها بإنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة مُدِرّة للدخل، بدعم مالي من الصناديق والمؤسسات التي أنشأناها لمكافحة الفقر. كما توسعنا في تنفيذ البرامج الاجتماعية المعروفة ببرامج شبكات الأمان الاجتماعي. وعلاوة على ذلك، نعمل بجد كبير لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية لدعم مسيرة الاقتصاد، وبالتالي خلق المزيد من فرص العمل وقهر البطالة، ومشاريع التنمية المقترحة والمخططة هي المفاتيح الرئيسة للتوظيف. وهي في نهاية الأمر حزمة متكاملة من واجبات الدولة، فتوفير فرص العمل يعد المدخل لمحاربة الفقر، وتحقيق التنمية الاجتماعية الفعلية. وفي ما يتعلق بالخدمات الصحية، أود أن أشير إلى أن الحكومة أولت أهمية خاصة لتوفير الرعاية اللازمة للمواطنين كافة، وتجسد هذا الاهتمام في مضاعفة الموازنة المخصصة مرات عدة، وفي الاستثمار في تدريب وتأهيل الكوادر الصحية. كما تجلى ذلك في المساعي الحثيثة والإصلاحات التي قامت بها الحكومة بغية تعميم الخدمات الصحية، وبفضل الجهود المتضافرة التي شاركت فيها كل القطاعات والدوائر والقوى المعنية، تمكّنا في عام 2014 من إطلاق التأمين الصحي الشامل، ومن شأن هذا المشروع أن يتيح الاستفادة من علاج طبي يتمتع بجودة عالية، وبسعر في متناول الجميع، علاوة على تأثيره الإيجابي المباشر في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلد، وإسهامه في ترقية واقع أفراد المجتمع، وتحقيق الرفاهية لهم. لا توجد لمسات واضحة للمرأة الجيبوتية في سياسة البلاد، ولا تزال مشاركتها السياسية ضعيفة، ماذا تقولون عن ذلك؟ - بالعكس، المرأة الجيبوتية حاضرة بقوة في مختلف مناحي الحياة في البلاد، ولا تقتصر مساهمتها على الملحمة الوطنية التي يقوم بها الشعب في سبيل النهوض بالوطن، وتحقيق تنمية شاملة تطاول شتى المجالات، بل كان لها أيضاً دور مشرف وفاعل في الملاحم البطولية التي يحفل بها تاريخ الكفاح الوطني الذي خاضه شعبنا من أجل الاستقلال، ونيل الحرية. وبعد اندحار الاستعمار انخرطت بقوة في معركة البناء والتنمية، فضلاً عن الإسهام بشكل فاعل في إدارة الشأن العام وصنع القرار. ومن أمثلة ذلك، أنه توجد ثلاث وزيرات في الحكومة، ما يجعل بلادنا من الدول العربية ودول العالم النامي القليلة جداً التي يوجد فيها هذا التمثيل للنساء في الحكومة. كما توجد نسبة مخصصة للمرأة الجيبوتية في البرلمان تبلغ 9 في المئة من المقاعد النيابية، علاوة على وجود عدد كبير من المسؤولات الرفيعات في مراكز اتخاذ القرار في الدوائر الحكومية، ومؤسسات القطاعين العام والخاص، والأحزاب السياسية. وبناء على ذلك، فإن للمرأة الجيبوتية لمساتٍ واضحةً في الشأن السياسي، ولديها حضور قوي في مختلف مناحي الحياة في بلدها. بصراحة – فخامة الرئيس – هناك مخاوف لدى معارضيكم من أنكم قد تسعْون إلى الحصول على ولاية رئاسية جديدة، هل ذلك صحيح؟ وما هي آلياتكم لتوفير قيادات شابة تتولى المسؤولية منكم؟ - أكدنا مراراً وتكراراً أننا لم نتخذ قراراً بعد في شأن هذه المسألة، وأعتقد أن المخاوف التي أشرتم إليها سابقة لأوانها. وفي ظل نظامنا الذي يقوم على التعددية والشراكة، فإن كل فرد من أفراد مجتمعنا يجد نفسه ممثلاً في السلطة والحكم. وقد قمنا في هذا السياق بإصلاحات مهمة، لتقريب الحكم إلى الشعب، وتعزيز مشاركة القطاعات الفاعلة في صنع القرار في بلادنا. ومهما يكن من أمر، فإنني أعتقد أن وصول أناس إلى الحكم من دون غيرهم يتوقف على اختيار الشعب لهم، ويجب احترام إرادة الشعب في ما يختاره. حل الأزمة مع إريتريا ننتقل إلى محور الجوار الجيبوتي، دعنا نبدأ بصداع جيبوتي قديم، وهو النزاع مع إريتريا، هل هو في حال خمول، أم أنكم تدرسون اللجوء إلى التحكيم الدولي؟ وهل هناك أي عروض للتوسط بينكم وبين نظام الرئيس أساياس أفورقي؟ - اندلع هذا النزاع على خلفية الاعتداء الإريتري على بلادنا، واحتلال جزء من أراضينا (جبل دوميرا وجزيرة دوميرا) في عام 2008، وعلى رغم المساعي الحميدة التي بذلتها بلادنا لنزع فتيل الأزمة، فإن أسمرا أصرت على إدامة هذا الاحتلال، ورفضت كل أشكال التعاون لإنهاء النزاع بالطرق السلمية. وكما تعلمون فإن دولة قطر الشقيقة أطلقت مبادرة كريمة لحلحلة هذه القضية. ونحن رحبنا بهذه الوساطة منذ الوهلة الأولى، وزوّدنا الوسيط القطري بكل المستندات والوثائق ذات الصلة. غير أن الوساطة القطرية لم تسفر بعد عن النتائج المتوخاة، وإذا تعذر تحقيق الأهداف المنشودة، ووصلت الأمور إلى طريق مسدود، فإن اللجوء إلى التحكيم الدولي سيكون خياراً لا مفر منه في نهاية المطاف. انعكاسات الأزمة الصومالية ألا تزالون تعانون من تبعات الأزمة في الصومال؟ وما هي علاقتكم بجمهورية أرض الصومال وبالجمهورية الصومالية؟ - نظراً إلى روابط الجوار، والامتداد الجغرافي، والتداخل العرقي والثقافي والاقتصادي، فإن الأزمة الصومالية لها انعكاساتها السلبية، ليس على جيبوتي وحدها، بل على دول منطقة القرن الأفريقي كافة. أما علاقتنا بالصوماليين فهي أخوية وطيدة، بصرف النظر عن مواقعهم الجغرافية. وثقة الأشقاء الصوماليين بنا جعلتنا نلعب دوراً حيوياً في حلحلة المسألة الصومالية، عبر مؤتمرات المصالحة الكثيرة التي استضافتها جيبوتي، منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، ومن خلال المساهمة الفاعلة في جهود المجتمع الدولي الهادفة إلى إحلال سلام دائم في الصومال. تستضيف جيبوتي مقر منظمة «إيغاد» الأفريقية، لكن هذه المنظمة لم تفعل شيئاً يحل الأزمة بين جيبوتي وإريتريا، والنزاع بين فرقاء جنوب السودان، والحرب الأهلية في الصومال؟ - تواجه منطقة القرن الأفريقي التي تقع فيها الدول الأعضاء في منظمة «الإيغاد» تحديات كبيرة باستمرار، من حروب ونزاعات، مع ما تخلفه هذه النزاعات من مشكلات اجتماعية واقتصادية وموجات جفاف. وعند تقويمنا لأداء منظمة «الإيغاد» منذ إنشائها في عام 1986، مقارنة بهذه التحديات الجسام التي واجهتها، فإننا نجد أنها نجحت في تحقيق الكثير من الإنجازات، سواء على صعيد الأزمات أم التنمية الإقليمية، إذ تشرف على تنفيذ برامج مشتركة بين الدول الأعضاء لمعالجة الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية، والأزمات الغذائية التي تعاني منها المنطقة، وأحرزت المنظمة نتائج مشجعة في عدد من مسارات هذه الجهود. «داعش» و«القاعدة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية.. سرطان يهدّد المنطقة كلها، وبحكم قربكم من اليمن والصومال لا بد أن لكم جهوداً في كبح هذا الخطر؟ - نحن جزء من التحالف الدولي المناهض للإرهاب، ونقوم بجهود مختلفة من شأنها أن تسهم في القضاء على هذه الظاهرة المدمِّرة، وتجنيب شعوب المنطقة ويلاتها، بالتعاون والتنسيق مع حلفائنا على المستويين الإقليمي والدولي. وأود أن أحذّر من مخاطر تعزيز إرهاب «القاعدة»، نتيجة النزاع في اليمن، فالصراع في هذا البلد الشقيق قد يسمح لتنظيم «القاعدة في الجزيرة العربية» بأن يعزز قوته وسيطرته على مناطق في البلاد، إذ يمكن أن يغذي التوترات الخطرة بين المسلمين الشيعة والسنة، ما من شأنه تعزيز انتشار تنظيم «القاعدة» في اليمن، كما يشكل خطراً على المنطقة بأكملها. وفضلاً عن ذلك، فإن تأمين موقعنا الاستراتيجي للجهود الدولية في مجال محاربة الإرهاب، ومساعيَنا المتواصلة لإحلال السلام في الصومال، ودعم الحكومة الشرعية هناك، ودفع المجتمع الدولي لمساندتها، ومتابعة التنسيق والتعاون في المحيط الإقليمي للتصدي للأعمال الإرهابية، تعد إسهاماً حيوياً في الحرب على الإرهاب. انتماء إلى البيت العربي جيبوتي عضو في الجامعة العربية، لكنها متهمة بأن بوصلتها تتجه نحو أفريقيا والغرب أكثر من التفاعل مع العالم العربي. هل ذلك صحيح، خصوصاً في ظل عدم وجود قناة فضائية عربية في جيبوتي، كما أن الصحيفة العربية الوحيدة في البلاد تصدر مرة في الأسبوع؟ - هذا الاتهام مجاف للحقيقة تماماً، فجيبوتي دولة عربية، ولدينا روابط أخوة تقوم على مقومات الرسوخ والثبات والتعاون مع إخواننا العرب. كما توجد لدينا علاقات سياسية مميزة مع الدول العربية كافة. وننتمي جميعنا إلى بيت العرب، نتقاسم انتصارات الأمة وانكساراتها. وعليه، فإن لعلاقاتنا مع العالم العربي تميزها، وخصوصيتها التي لا تتأثر من قريب ولا من بعيد بالعلاقات المتوازنة التي تربط بلادنا بدول أفريقيا والغرب وبقية دول العالم. وفي ما يتعلق بعدم وجود قناة فضائية عربية، فإنني أود الإشارة إلى أن التلفزيون الوطني أطلق أخيراً أربع قنوات إحداها باللغة العربية، وقبل ذلك لم تكن في الساحة أية قنوات، عدا التلفزيون الوطني الذي كان يبث برامجه بأربع لغات، وعلى رغم كونها تشكل إضافة مهمة للإعلام الوطني، فإن هذه الخطوة لا تزال في بداياتها الأولى. وفي ما يتصل بالصحف الرسمية، توجد لدينا صحيفتان حكوميتان، إحداهما باللغة العربية، والأخرى بالفرنسية، وعلى عكس ما أشرتم إليه في سؤالكم، فإن الصحيفة العربية لا تصدر في الأسبوع مرة واحدة بل مرتين، وهنالك الآن توجه لجعلها يومية. كيف تنظر إلى «الربيع العربي» الذي اجتاح بلدان المنطقة العربية؟ - نحن لا نقول «الربيع العربي»، «لأننا ما نعرفش الربيع»، وإنما نقول رحلة الشتاء والصيف، كما ورد في القرآن الكريم. من وجهة نظري، أن الربيع العربي نكبة، لأنه دمّر العراق، ومصر، وتونس، وليبيا، وسورية، واليمن، الآن القوة العربية ضعفت، ونحن نقول لولا وقوف السعودية مع الأمة العربية لدمرت بعض البلدان العربية، فلولا وقفتها لما كانت مصر بوضعها الحالي المستقر، وكذلك لبنان، على رغم أنه لم ينتخب رئيساً منذ أكثر من عام، ولا تزال السعودية واقفة معه وتدعمه، وتقدم إليه المنح والإمكانات التي تمكنه أن يبقى واقفاً، وإلا كنا شاهدنا واقعاً آخر. وآخر المساعدات السعودية للبنان كانت للجيش اللبناني، من دون أن تهتم بما يقوم به «حزب الله» من أعمال لا توافق عليها. فتحت جيبوتي أراضيها لعدد من القواعد العسكرية الأجنبية، فهناك فرنسا، وأميركا، والقاعدة الدولية لمكافحة القرصنة البحرية. وهناك ما يتردد عن أن هناك قاعدة لانطلاق الطائرات بلا طيار. ما هي أسس إقامة هذه القواعد؟ وألا ترونها سبباً في استعداء الجماعات الإرهابية على سيادة بلادكم؟ - تلعب جمهورية جيبوتي بالتعاون مع المجتمع الدولي دوراً بارزاً في مجال الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، ومحاربة القرصنة، والإرهاب. ويأتي تمركز القوات الدولية في بلادنا في هذا السياق. وأثمر التعاون الوثيق والمساعي الحثيثة التي تم بذلها في مضمار مكافحة القرصنة البحرية، إذ تلاشت وانحسرت أعمال القرصنة، واختفت في نهاية المطاف. كما تم التصدي بفعالية للأعمال الإرهابية. وبالتالي، فإن الوجود الدولي في جيبوتي يسهم في تعزيز جهود استئصال شأفة الإرهاب والقرصنة. فخامة الرئيس حاولت إسرائيل في القرن الماضي فتح مكتب تمثيلي في جيبوتي عبر وسطاء، هل لا تزال محاولاتها مستمرّة؟ - كانت هناك محاولات في عهد إسحاق رابين بعد اتفاق أوسلو في 1993، وبعد مبادرة السلام العربية وبعد حديث الملك عبدالله في قمة بيروت سنة 2002، حاولوا تطبيع العلاقات وبعض الدول العربية أعتقد أنها ألغت من الجوازات المكتوب فيها لا يسافر إلى إسرائيل، وتم فتح مكاتب فيها. من الذي حاول أن يقدم عرض الوسيط لفتح مكتب إسرائيلي في جيبوتي؟ - أكون صادقاً معك، بعد إطلاق اتفاق أوسلو، كان لدى بعض العرب نية لفتح مكتب لإسرائيل ولكن توقف ذلك بعد قتل رابين. لكن الإسرائيليين حاولوا مراراً وتكراراً، فكانت هناك وساطات عدة لدينا أحياناً من اليابان وأحياناً من فرنسا، ولكننا لم نوافق ولن نوافق. السفارات وتجنب الشر جيبوتي لم تفتح سفارة في دمشق ولا في بيروت ولا في طهران... والآن معظم الدول العربية أغلقت معظم سفاراتها في دمشق، وتلوم طهران لماذا لم تفتحوا سفارات في تلك العواصم؟ - الحقيقة، لأن إمكاناتنا ضعيفة. فقط الإمكانات! ألم تكن هناك نظرة سياسية مختلفة عن بقية الدول العربية؟ - أكون صادقاً معك، سورية كانت من الدول التي قامت ضدنا لنيل عضوية الجامعة العربية بعد الاستقلال، وبيروت لم نفتح فيها بسبب أن إمكاناتنا المادية لم تسمح لنا، وطهران نفس الشيء، وإن كنّا غير مهتمين، والرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد جاءنا في زيارة، وكان يريد فتح سفارة لطهران في جيبوتي، وفي المقابل نحن لا نريد ذلك لنتجنب شرهم، وهم ليست لديهم سفارة لدينا وإنما في إثيوبيا تقوم بذلك. أنتم تواجهون حركة الشباب الإسلامي في الصومال، وجزء من التحالف لمحاربة الإرهاب في القرن الأفريقي، كيف تقيمون جهود بلادكم في مكافحة التطرف والإرهاب؟ - والله هدفنا واضح نحو محاربة التطرف والإرهاب، الذي أصبح وباء في المنطقة ويدمر صورة الإسلام وسماحته. علاقتكم مع إريتريا؟ - سيئة مصر في عهدة الرئيس عبدالفتاح السيسي... كيف تراها؟ - علاقاتنا مع مصر تحسنت كثيراً، في السابق أدار الرئيس حسني مبارك ظهره لأفريقيا، واتجه إلى أميركا وأوروبا. في عهد السيسي تحسنت العلاقات، بل تطورت للأفضل، وهذا مهم لنا. ولو بقي محمد مرسي رئيساً لمصر كيف ستكون العلاقات؟ - موقفنا من جماعة «الإخوان» واضح منذ البداية، سواء أكان مرسي أم غيره من الإخوان. ومع ليبيا الآن؟ - ليس هناك حكومة حالياً في ليبيا، وإنما صراع ونزاع مسلح. نحن نتأسف كثيراً لتلك الأوضاع في ليبيا، ونتمنى أن تعود ليبيا واحة سلام. أعلن مجلس الوزراء السعودي، عن اتفاق أمني مع جيبوتي؟ - سنوقع اتفاق أمني مع المملكة، ونحن في قلب السعودية والحمد لله، وهذا يمثل قوة علاقاتنا أيضاً. ونحن حقيقة ما عندنا غير مملكة واحدة وهي المملكة العربية السعودية. الاستثمارات الخليجية، وخصوصاً من رجال الأعمال السعوديين ضعيفة، لماذا لا تفتحون الاستثمارات لرجال الأعمال الخليجيين؟ - مفتوح. لا غير مفتوحة، وذلك يحتاج إلى جهد وقوانين وتشريعات ملزمة وواضحة. - لماذا لا تساعدنا أنت في ذلك. أنا صحافي ولست رجل أعمال ولكن مستعد لإيصال تلك الدعوة عبر هذا الحوار معكم في صحيفة الحياة. رئيس جيبوتي ل«الحياة»: علاقتنا بالرياض مميزة .. وعلاقتي بصالح انقطعت.. ولا نخاف إيران. غيلي ل «الحياة»: علاقتنا مع السعودية «عاطفية».. وشعبنا رفض «الإخوان».. ولا مكان لإيران على أرضنا و لانخشاها ... و«حزب الله» فتنة كبيرة.