تابعنا جميعاً صدور موازنة الخير للعام الحالي الجديد «2010» التي حملت للوطن والمواطن الكثير من المشاريع والمنجزات التي مما لاشك فيه ستسهم في إحداث نقلة كبيرة في مختلف المجالات وتسهم في عمليات التطوير التي تشهدها بلادنا الغالية، لقد توجت هذه الموازنة بتشديد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كلمته التوجيهية على الوزراء المعنيين بضرورة تنفيذ جميع المشاريع المعتمدة بالموازنة للعام الجديد، مبيناً أن هناك مشاريع لم تظهر للوجود وتعد ضائعة. ومما يسر الجميع لما حفلت به الموازنة الجديدة يلمس أن المملكة استطاعت تجاوز الأزمات الاقتصادية كافة التي شهدها العالم في الآونة الأخيرة، نتيجة السياسة الحكيمة والمرنة التي مكنت اقتصادنا الوطني من الصمود والنهوض بمستوى الاقتصاد المحلي، والدليل على ذلك أن الموازنة الجديدة كانت الأعلى بين الموازنات كافة، وقد أظهر بيان وزارة المالية الصادر بمناسبة إعلان الموازنة أن حجم المشاريع التي وقعت للعام المالي المنتهي 2009 يقل بنحو 80 بليون ريال عن المعتمد لها خلال الموازنة الجديدة، وأن ما اعتمد لمشاريع العام الماضي يقل بنحو 45 بليون ريال عن الاعتماد الفعلي. لقد لاحظت أن بعض الكتاب أسهبوا في تفنيد بنود الموازنة، ولم يتطرقوا إلى الأساس والخوض في كيفية صرف هذه الموازنة على الوجه الصحيح والسليم، بحسب رغبة حكومتنا الرشيدة، ولا يكفي فقط بأن موازنة أمانة جدة خمسة بلايين تقريباً، ولكن ينبغي على الكتاب أن يتطرقوا إلى أين تذهب كل هذه الأموال؟ وهذا هو المطلوب طرحه وتناوله، ولعل مما يؤسف له حقاً أن بعض الكتّاب والمحللين يسهبون كثيراً في التطبيل بحجة التحليل، وكان حري بهؤلاء الكتاب والمحللين أن يتناولوا الحقائق وكيفية إنفاق الموازنة، لأن من مهام الكاتب الأساسية محاسبة المخطئ وإيصال المعلومات إلى الدولة حتى تعالج الأمور منذ بداياتها، وأؤكد بأنه لولا صمت الكتّاب والمحللين عن الأخطاء السابقة للجهات الخدمية لما حدث ما حدث من تجاوزات! دولتنا الرشيدة لم تقصر أبداً وهي منذ سنوات طويلة تعتمد الكثير من المشاريع الجبارة التي تهدف إلى رفاهية المواطن وتطوير البلد ، ومع ذلك فإننا نلمس تقصيراً من بعض المسؤولين بحيث تذهب كل هذه الأموال المعتمدة في غير مكانها السليم، وتذهب لقاء مشاريع ضائعة ومهدرة. ليس هذه إتهامات، بل إنها حقيقة واقعة يلمسها الجميع، لأنه لو أنفق هذا الكم الهائل من الأموال التي ترصدها الدولة في كل موازنة على التركيز في تنفيذ مشاريع البنى التحتية لمدننا للتخلص من الخلل الكبير ومعالجتها، مثل خدمات الصرف الصحي، والمشاريع التي تنفذها الأمانات والبلديات وبقية الخدمات الأخرى ذات العلاقة بالتنمية، فالدولة لم تقصر أبداً ولكن على المسؤولين الدور الكبير في تنفيذ تلك المشاريع بدقة، ليس فقط من أجل جيلنا الحاضر بل للأجيال المقبلة، إن على المسؤولين كافة وضع خطط مستقبلية لكل المشاريع تشمل متانتها وسلامتها كما يحدث في دول متقدمة على سبيل المثال، وألا تنفق هذه الأموال في مشاريع وقتية. سأذكر هنا مثلاً على مشاريع الأمانات والبلديات، فلو أن كل هذه المبالغ وخلال عشرات السنين التي يتم إعتمادها على مشاريع كل مدينة تم توجيهها بالوجه السليم والصائب في إنشاء بنية تحتية قوية وصلبة لما عانت مدننا من المتاعب التي نشهدها اليوم، لذا فإن المطلوب من الجهات الحكومية كافة، خصوصاً الخدمية، الاهتمام بالجذور وليس القشور، فكفانا الإنفاق على مشاريع لا فائدة مرجوة منها... ما فائدة أن تبادر بعض البلديات والأمانات بإنشاء مشروع حديقة بكلفة 25 مليون ريال في الوقت الذي تعاني فيه الشوارع من التصدعات؟ وما جدوي أن يقام مجسم جمالي بكلفة عشرة ملايين ريال في الوقت الذي تتدفق فيه مياه الصرف الصحي في الشوارع المجاورة؟! إن المطلوب من المسؤولين عن المشاريع كافة إنفاق المبالغ المخصصة للمشاريع الأساسية لإنشاء بنى تحتية قوية وصلبة لا تتأثر بأي عامل، وأن تأخذ في حسبانها التطور المستقبلي لعشرات السنوات، وأن على المسؤولين كافة أن يطلعوا بأدوارهم المناطة بهم ومنحهم الثقة من دولتنا الرشيدة حتى تخلد أسماؤهم ضمن المخلصين في هذا الوطن، وليس فقط لتحوم حولهم شبهات الفساد، وأن عليهم العمل الجاد حتى تسجل أسماؤهم من ذهب ضمن المخلدين في سجلات التاريخ ولتذكرهم الأجيال المقبلة بالخير، وأن يصبحوا جزءًا لا يتجزأ من تاريخ مملكتنا الغالية. [email protected]