لم تعد للملفات الخضراء المملوءة بعشرات الوثائق والمستندات والشهادات قيمة! إذ إن شروط الحصول على وظيفة تؤمن لشاغلها قوت يومه بشرف وعفة، تبدلت حتى استحالت الابتسامة وعرضها، ولون العينين وحجمهما، واستقامة الأنف، وكمية النشاء في الغترة، وموديل الثوب وتطريزه وشكله وتفصيله أموراً يجب مراعاتها عند كل مقابلة شخصية للراغبين في شغل وظيفة لدى الكثير من الهيئات والمرافق الأهلية. وفي عصر تحرص فيه الشركات ذات الاحتكاك المباشر مع الجمهور على وسامة موظفيها، في اعتقاد من القائمين عليها في أن ذلك «الحسن» سيسهم بضراوة في زيادة حجم إقبال العملاء، وبالتالي تحقيق عوائد ربحية أكثر، وأخذ نصيب أكبر من كعكة السوق السعودية. وجد الكثير من الشبان السعوديين «البعيدين عن الوسامة» أنفسهم في منأى عن تلك الفرص الوظيفية المغرية، ولم تؤت مؤهلات بعضهم الرفيعة، ولا خبرات آخرين منهم، في تعديل أركان تلك المعادلة الجديدة المبنية على أساس «حسن الطلة». ولا يجد المصرفي محمد طارق حرجاً من الاعتراف بأن أحد أهم أسباب حصوله على وظيفته، وسامته. ويقول ل«الحياة»: «تحرص كثير من الشركات عموماً، والمصارف خصوصاً على حسن مظهر وهندام المتقدمين لشغل الوظائف التي توفرها. وأنا أملك تأهيلاً يخولني لشغل هذه الوظيفة، ولكن بصراحة لمست أن وسامتي كانت جسر عبور إلى الوظيفة قبل أن تنتهي المقابلة الشخصية التي أجريت لي فور تقدمي لها، خصوصاً أن وظيفتي تعتمد في المقام الأول على مقابلة الجمهور والاحتكاك مع العملاء، وإقناعهم بالعروض والمنتجات المصرفية التي أروج لها». وانتقلت «فوبيا» الوسامة من شركات التوظيف لتطاول تقاليد وعادات اجتماعية في السعودية، حيث كشف مضيف يعمل في إحدى شركات الطيران أن زميله تقدم لخطبة فتاة من إحدى الأسر، وفوجئ بموافقتها على الارتباط به من دون أن تراه، وعزت تلك الموافقة في ما بعد إلى يقينها من وسامته، «لأن شركات الطيران تحرص في المقام الأول على وسامة موظفيها، خصوصاً المضيفين ومن لهم علاقة بالعملاء». وزاد: «من المعروف أن العمل في هذا القطاع يركز بشكل أساسي على راحة المسافرين وحسن التعامل معهم وعلى تقديم الخدمة الجوية بشكل مميز، إذ إن أسلوب المضيف وتلبية طلبات المسافرين يعد معياراً رئيساً لقياس نجاح الشركات العاملة في هذا المجال، لذلك عادة ما تحرص الشركات على جلب الشباب من فئات عمرية محددة تتمتع بالنشاط إلى جانب الوسامة». بدوره، اعترف مدير التسويق في إحدى الشركات العاملة في مجال الديكور والتصميم (طلب عدم ذكر اسمه) بتهميش المتقدمين لشغل الوظائف من غير الوسيمين. وقال ل «الحياة»: «نهتم كثيراً بهيئة ومظهر المسوقين من الجنسين، ونحاول اختيار الأكثر وسامة وجمالاً. لاعتبارات عدة أهمها نيل استحسان العملاء، وتغيير قناعاتهم. ولاحظنا كثيراً جدوى هذا النوع من الاختيار للراغبين في العمل التسويقي، لكنه ليس بالأمر الأساسي الذي نبني عليه اختياراتنا أو قبول المتقدم من عدمه بل هناك المؤهل والخبرة العملية التي عادة ما تكون الأهم في مجال عملنا». وفي سياق متصل، وصف اختصاصي الطب النفسي الدكتور محمد الحامد تلك القطاعات والجهات ب «غير الحيادية». وقال ل «الحياة»: «في الوقت الذي تتزايد فيه نسبة البطالة في المجتمع السعودي، نأسف حقيقة لظهور هؤلاء الأشخاص أو الشركات التي تصب تركيزها نحو تصورات لا تخدم سوق العمل وتسهم بضراوة في خلق فجوة كبيرة بين الوظائف ومستحقيها». واعتبر الحامد الجمال عاملاً نفسياً يبعث الارتياح، خصوصاً عند اقترانه بالأخلاق الحسنة، «لكن في ميدان العمل، تبقى الكفاءة والمؤهل العلمي والإنتاجية المثمرة عوامل تقويم للموظف بعيداً من تلك المستحدثات المحبطة».