وجّه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، كلمة للمواطنين خلال جلسة مجلس الوزراء يوم الاثنين 21 كان ون الأول (ديسمبر) الماضي، التي أعلنت فيها موازنة عام 2010، قال فيها: «الميزانية ولله الحمد فيها الخير وفيها البركة إن شاء الله، المهم عليكم إخواني إتمامها بجد وإخلاص والسرعة، وعدم التهاون في كل شيء يعوقها، لأن هذه أسمعها أنا من الناس وأحسها بنفسي، بعض المشاريع إلى الآن ما بينت، ضائعة... لكني آمل منكم الذي يجد تقصيراً من أي أحد ومنهم وزير المالية أن يخبرني، لأنه لا يوجد تقصير أبداً أبداً، واللوم إذا جاء يجيء على الوزير فقط». هذه الموازنة التي أقرها خادم الحرمين الشريفين خصصت نحو 137 بليون ريال لقطاع التعليم، و61 بليون ريال للخدمات الصحية والتنمية، و46 بليون ريال للمياه والصناعة والزراعة، في عام 2010 كأضخم موازنة في تاريخ البلاد تركّز على المشاريع التنموية والقطاعات الحيوية، والتي رصدت إنفاق 540 بليون ريال سعودي وتوقعت إيرادات تقدّر ب 470 بليون ريال. وتضمنت الموازنة برامج ومشاريع جديدة ومراحل إضافية لبعض المشاريع التي سبق اعتمادها، بتكاليف إجمالية تزيد على 260 بليون ريال، أي بزيادة نسبتها 16 في المئة عن السنة المالية الماضية، الذي كان الأعلى تاريخياً. وخصت الموازنة الجديدة قطاع التعليم العام والعالي وتدريب القوى العاملة بأكثر من 25 في المئة من النفقات المعتمدة للسنة الجديدة، بإجمالي 137 بليون ريال. وضمن الموازنة سيتم إنشاء 1200 مدرسة جديدة للبنين والبنات في جميع مناطق المملكة، إلى جانب استمرار تأهيل وصيانة المدارس الموجودة. وفي مجال التدريب التقني والمهني، تم اعتماد تكاليف لإنشاء كليات ومعاهد جديدة وافتتاح وتشغيل عدد من المعاهد المهنية والمعاهد العليا للبنات لزيادة الطاقة الاستيعابية للكليات والمعاهد التابعة للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني. أما الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية فخُصص لها 61 بليون ريال، بزيادة 17 في المئة عن مخصصات العام الماضي، بمشاريع تضمنت استكمال إنشاء وتجهيز مراكز الرعاية الصحية الأولية في جميع مناطق المملكة، ومشاريع إنشاء 8 مستشفيات جديدة، ومشاريع لإحلال وتطوير البنية التحتية ل 19مستشفى، إضافة إلى استكمال تأثيث وتجهيز عدد من المرافق الصحية، علماً بأنه يجري حالياً تنفيذ 92 مستشفى جديداً في مناطق المملكة بطاقة تبلغ 17150 سريراً. وتظهر الأرقام المعلنة أن الموازنة تتضمن أعلى إنفاق تقديري، وأعلى دخل تقديري، وأعلى عجز معلن تاريخياً، لكن بحسب بيان وزارة المالية تم توضيح أن هناك إنفاق لبرامج مختلفة منها الأمنية والتعليمية وبرامج تنموية، وعلى رغم العجز الذي توقعت الموازنة أن يصل إلى 70 بليون ريال، إلا أن الاقتصاديين يرون أنه سيكون تحت السيطرة، خصوصاً لوجود احتياطات كافية في مؤسسة النقد السعودي (ساما)، ويدعمه بيان وزارة المالية عن الموازنة بشأن استمرار الدولة بخفض حجم الدين العام، الذي بلغ في نهاية 2008 نحو 237 بليون ريال، أي ما نسبته 13.3 في المئة من الناتج المحلي. ومن المناسب الإشارة إلى تصريح وزير الاقتصاد والتخطيط خالد القصيبي، وذكر فيه «أن الموازنة الجديدة تؤكد استمرار الالتزام بالتوجيهات السامية بتسريع خطى التنمية الاقتصادية والاجتماعية وترسيخ استدامتها وتحقيق تنمية متوازنة بين مناطق المملكة، والاستمرار في تحسين مستوى معيشة المواطنين، والارتقاء بنوعية حياتهم والعناية بالفئات المحتاجة من أفراد المجتمع». وأشار إلى أن «صدور الموازنة بهذا الحجم يستند إلى منطق اقتصادي سليم، فحواه أن انتهاج سياسة مالية تحفز النمو الاقتصادي وتعززه يعد أفضل وسيلة للتصدي للتأثيرات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية واتجاهات الكساد العالمي». وأضاف: «ان الإنفاق العام بهذا المستوى سيكون له دور إيجابي في حجم الطلب الإجمالي على السلع والخدمات وفي حجم السيولة المحلية المتاحة لتمويل فعاليات الاستهلاك والإنتاج والاستثمار، كل ذلك من شأنه أن يرتقي بمعدلات الأداء الاقتصادي ويشكل تصدياً لشبح التباطؤ والكساد الاقتصادي، وسيعزز فاعلية الإنفاق العام، لاسيما الاستثماري بهذا المستوى وانخفاض معدلات التضخم وتراجع كلفة المشاريع الاستثمارية، وذلك نتيجة انخفاض أسعار مدخلات الإنتاج المختلفة المحلية والمستوردة». من جانبه، أكد المحلل المالي ناصر المير أن حجم الموازنة يعكس تصميم الدولة على مواصلة النمو الذي سارت عليه خلال السنوات الأربع الماضية من خطة التنمية الثامنة، على رغم الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية، وتهدف من ذلك إلى رفع مستوى المعيشة وتحسين نوعية الحياة وتوفير فرص العمل للمواطنين والتوسع المستمر في الخدمات التعليمية والتدريبية والصحية والبلدية والاجتماعية والمياه والبنية التحتية، متخذة من الإنفاق العام أداة رئيسية لحفز النشاط الاقتصادي وتوجيه الموارد نحو الاستخدامات التي تحقق أقصى المنافع والعائدات الاقتصادية والاجتماعية». وأشار إلى أن ذلك يحتاج إلى آليات تنفيذ جديدة تتجاوز سلبيات الماضي، حتى تحقق الرؤية التي من خلالها انطلق خادم الحرمين في كلمته التي ألقاها في جلسة مجلس الوزراء لإعلان الموازنة. وأشار إلى أن الموازنة ركزت على الاهتمام بقطاعات التعليم والتدريب والتنمية الاجتماعية والصحية والتجهيزات الأساسية والخدمات البلدية والمياه والصرف الصحي والنقل والمواصلات، وهي القطاعات التي تلامس حاجات الناس أكثر من غيرها، في ظل تآكل هذه القطاعات بصورة مقلقة قبل أربع سنوات والتي شهدت ميلاد أربع موازنات متتالية بإنفاق ضخم يستهدف الإنفاق على البنية التحتية. وأكد أن من ميزات الموازنة الجديدة المبالغ الكبيرة التي خصصتها الدولة لصناديق وبنوك التنمية الحكومية المعنية بمساعدة القطاع الخاص، ما يحملها مسؤولية دفع قطاع المصارف إلى تبني سياسات مختلفة عن التي اتخذتها خلال السنتين الماضيتين، وتحفظها عن تقديم القروض والتسهيلات البنكية لمنشآت القطاع الخاص خصوصاً المتوسطة والصغيرة منها. وذكر أن هذه السياسة البنكية المتحفظة أدت إلى إضعاف المنشآت الخاصة، ما انعكس سلباً على تنفيذ مشاريع الدولة، وهي الشكوى الدائمة لدى مختلف الوزارات، وإلقاء اللائمة على القطاع الخاص في تأخير المشاريع. وأشار إلى أن كلمات خادم الحرمين الشريفين في وقت إعلان الموازنة كانت واضحة من تحميل المسؤول الأول المسؤولية عن التقصير إذا حدث، وهو أمر يدعو الوزراء إلى انتهاج أساليب مغايرة للمعمول بها، والتي تؤدي إلى تأخير المشاريع أو سوء تنفيذها.