لم يعد احمد (15 سنة) يتذوق طعماً للحياة، بعد ان حولته الحرب الدائرة في بلده درعا السورية فجأة الى طفل لاجئ يقطن بمعية ثلاثة اطفال مراهقين لم يعرفهم يوماً، في شقة سكنية في مدينة المفرق الاردنية. احمد الذي اضطر الى الاختباء في ملجأ عام فور اندلاع معركة مفاجئة، بينما كان يسير في احد شوارع درعا، فقدَ أثر والديه وأسرته التي تركها في المنزل للاصطفاف في طابور لساعات عديدة من أجل شراء الخبز. ولم يجد أحمد أمامه من حل غير اجتياز الحدود الى الاردن مع عدد ممن بقي من جيرانهم، هرباً من أفراد عصابات كانوا يتحدثون بلغة غير العربية، كما يقول، ويطلقون النار على كل شيء يتحرك بالمنطقة. في الأردن بدأت فصول مأساة جديدة تواجه أحمد، عندما اضطرت المنظمات الاغاثية الى فصله عن جيرانه وإسكانه في شقه مع ثلاثة من المراهقين السوريين، تطبيقاً لتعليمات المنظمات المعنية باللاجئين، وتعيين مشرف على الشقة. ويقول أحمد انه يشعر بأنه أصبح انساناً آخر غير الذي كان، بعد ان أمسى بلا ام تحنو عليه. ويضيف أن ليله أصبح كنهاره، فهو لا يعرف ماذا يفعل غير التشارك مع زملاء السكن في تنظيف شقتهم، فيما الخروج يحتاج الى إذن من المشرف، وهو ما لا يسمح به الا الى اماكن محددة ومسافات قصيرة تحت مراقبته. ويؤكد ان أسرته لا يعرف عنها شيئاً، أهم أحياء أم أموات، بخاصة أن مفوضية اللاجئين بحثت عنهم بين اللاجئين في الأردن ولم تجدهم للمّ شمله معهم، كما جرى مع غالبية الاطفال الذين رافقوه في رحلة اللجوء الى الاردن. وبحسب مفوضية الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين فان 4495 طفلاً سورياً لجأوا الى الاردن من دون ذويهم منذ بدء الأزمة السورية قبل اربع سنوات. وينقسم هؤلاء الاطفال الى قسمين: الاول، وهم الاطفال الذين لجأوا من دون أب او أم او قريب وتطلق عليه المفوضية ب «غير المصحوب»، ويبلغ عددهم 737، والقسم الثاني هم الأطفال الذين لجأوا بصحبة قريب ولكن ليس الأب او الأم وهؤلاء يطلق عليهم «المصحوب» ويبلغ عددهم 3758 طفلاً. وبحسب المتحدثة باسم المفوضية في الأردن ديما حمدان فإن «هؤلاء الاطفال يتم شملهم ببرنامج الرعاية البديلة الذي تقوم عليه، بالاضافة الى المفوضية، لجنة الانقاذ الدولية، علاوة على وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية ومؤسسة نور الحسين الأردنية ومؤسسة نهر الأردن». وأوضحت حمدان ان «هذه الجهات تتعامل مع هذة الفئة من الأطفال اللاجئين من دون ذويهم إما بلمّ شمل مع الأسرة اذا كانت لاجئة في الاردن، وفي حال لم يكن ذلك ممكناً تقوم بضمه الى أسر مضيفة، وتكون في غالبية الأحيان من الأسر السورية اللاجئة». وأوضحت حمدان ان «هذه الجهات تقوم بعمل تقييم لوضع الاسر المضيفة، وان كانت قادرة على الانفاق على الطفل أم لا»، مشيرة الى ان «ذلك يتم بعد أخذ موافقات رسمية وإعطاء هذة الأسر وصاية موقته على الطفل من قبل وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية». وقالت: «هناك مراجعة وتقييم تجريها وزارة التنمية الاجتماعية لوضع الطفل كل ثلاثة اشهر، بحيث يتم التأكد من ان بيئة الأسرة المضيفة مناسبة له أم لا». وفي ما يتعلق بفئة الاطفال الذين وصلوا مرحلة المراهقة قالت حمدان إن «هذة الفئة يتم شمولها في نظام العيش المشترك، بحيث يتم اسكان كل ثلاثة منهم في خيمة مشتركة داخل المخيم او شقة مشتركة خارج المخيم، بعد ان يتم تعيين مشرف عليهم يقوم بشكل دوري بمتابعة شؤونهم». وأشارت حمدان الى ان «هناك اطفالاً (حالات خاصة) يتم ارسالهم الى قرى ومؤسسات الايتام مثل (sos)». يذكر ان الأردن استقبل منذ بدء الأزمة السورية اكثر من 640 الف لاجئ سوري، يقيم معظمهم خارج المخيمات التي خصصتها السلطات الأردنية لهم، فيما يقيم في هذة المخيمات حوالى 120 الف لاجئ يحصل مخيم الزعتري في محافظة المفرق شمال شرق الأردن على نصيب الأسد منهم بواقع 85 الف لاجئ. وكانت دراسة لمركز المعلومات والبحوث التابع لمؤسسة الملك حسين الأردنية تم إعدادها بالتعاون مع منظمة إنقاذ الطفل أن أبرز سلبيات الإقامة مع أسرة قريبة، تتمثل في «التمييز بينهم وبين أبناء الأسرة، أو التمييز المبني على الجنس لجهة تفضيل الذكور، الى جانب الأعباء المالية التي يتحملها مقدمو الرعاية، وما اذا كانوا سيحصلون على كل احتياجاتهم، والخوف من عدم التقبل في الأسرة البديلة، وتحديداً من قبل شريك أقربائهم، فضلاً عن إمكانية أن يتعرض هؤلاء للإساءة أو أن ينخرطوا في عمالة الأطفال». وأضافت أن بعض الأطفال الذين يعيشون مع أقاربهم المتزوجين (عم، خال، عمة، خالة) ولديهم أبناء، يشتكون «من التمييز وأنهم لا يتلقون القدر الكافي من الحب، ويتعرضون لمعاملة مختلفة، لجهة الفرص في التعليم، وتوزيع المهمات المنزلية، وحرية الحركة، واللعب، والعقاب، والزواج المبكر، أما الفتيات فيتحدثن كذلك عن تمييز مبني على أساس النوع الاجتماعي لمحدودية الحركة، وعدم السماح لهن بالذهاب إلى المدرسة».