نقلت مصادر سياسية مطلعة عن مسؤولين سوريين تأكيدهم أن اللبنانيين سيشهدون في الأسابيع المقبلة تنفيذاً تدريجياً لما اتفق عليه الرئيس بشار الأسد مع رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري خلال زيارته دمشق في 19 و 20 من الشهر الماضي. وذكرت هذه المصادر أن الجانب السوري يشدد على أن دمشق «ستثبت للبنانيين أنها عند التزامها بما جرى التوصل إليه بين الأسد والحريري وأنها أظهرت إيجابية عالية خلال المحادثات التي جرت بينهما ستنعكس في شكل عملي وتساعد على المزيد من إراحة العلاقات الثنائية وتطويرها وتحسينها». ولفتت المصادر الى أهمية ما أعلنه أيضاً وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل 3 أيام من أن التعاون القائم بين سورية وتركيا سينضم اليه لبنان والأردن والعراق لاحقاً، مشيرة الى أن سورية تنظر الى تحسين العلاقات مع لبنان في الاطار الاقليمي عموماً، اضافة الى تركيزها والمسؤولين اللبنانيين على استعادة العلاقات المميزة بين البلدين، وفتح صفحة جديدة بعد فترة من التوتر. كما لفتت المصادر السياسية نفسها الى تصريحات وزير العدل اللبناني ابراهيم نجار عن أن البحث في ملف المفقودين والمسجونين في سورية حقق تقدماً استناداً الى الخطوات السابقة التي اتخذت في هذا الصدد، ثم استناداً الى المحادثات التي أجراها الرئيس الحريري في العاصمة السورية والتي أعقبها اجتماعه قبل 3 أيام مع الجانب اللبناني في اللجنة المشتركة مع سورية من أجل تحضير ملفاته تمهيداً للقاء يجمع الجانبين مطلع العام الجديد. لكن نجار تجنب الإدلاء بأي تفاصيل حول هذا الملف. وعلمت «الحياة» أن ما عكسته المصادر السياسية اللبنانية عن مسؤولين سوريين من تطلع الى تحقيق ما اتفق عليه لمسه رئيس الحكومة السابق الدكتور سليم الحص خلال لقائه الرئيس الأسد، أول من أمس في دمشق، وقالت مصادر اطلعت على أجواء اللقاء إن الرئيس السوري «تحدث بإيجابية عن المرحلة المقبلة في العلاقة بين البلدين وبدا منفتحاً على بحث كل الموضوعات ومستبشراً خيراً» لجهة تحسن العلاقات وانتقالها الى مرحلة من التعاون المفيد للبلدين على الصعد كافة. على صعيد آخر، قالت مصادر رسمية تابعت موضوع الاختلاف في التعاطي مع موضوع القرار الدولي 1559 بين بيروتودمشق، إن التطورات التي حصلت خلال الأسبوعين الأخيرين من السنة الماضية أدت الى تجاوز تداعيات هذا الاختلاف، بعدما كانت الديبلوماسية السورية طلبت من الخارجية اللبنانية مساندة الموقف السوري في اللجنة الخامسة التابعة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، المولجة إقرار موازنة تمويل البعثات الدولية المكلفة من الأمانة العامة للمنظمة الدولية متابعة تنفيذ القرارات الدولية، إذ إن الجانب السوري اقترح ألا يشمل التمويل التكليف الممنوح لمبعوث الأمين العام تيري رود لارسن من أجل متابعة تطبيق القرار 1559، مندرجات القرار الدولي المتفرع عنه أو الصادر استناداً اليه، أي القرار 1680 الذي كان صدر في أيار (مايو) 2006 وينص بين ما ينص عليه على دعوة سورية الى تنفيذ قرارات مؤتمر الحوار الوطني (العلاقات الديبلوماسية، تحديد الحدود، نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، أي الوجود الفلسطيني خارج المخيمات وضبط الحدود ونقل الأسلحة... الخ) باعتبارها مسائل سيادية أو منوطة بالعلاقات الثنائية بين البلدين. اذ إن سورية أبدت انزعاجها غير مرة من التقارير التي يصدرها لارسن في شأن التأخر في تنفيذ بنود القرار 1680، بعدما كانت اعتبرت أنها نفذت ما عليها في شأن القرار 1559 لجهة انسحابها من لبنان في 26 نيسان (ابريل) عام 2005. وقالت المصادر الرسمية ل «الحياة» إن الخارجية اللبنانية لم تتخذ موقفاً من الطلب السوري الذي قدمته الديبلوماسية السورية في اجتماع اللجنة الخامسة وآثرت عدم الاعتراض عليه من جهة وعدم الإدلاء بموقف إيجابي حياله، لكن دولاً أخرى في اللجنة الخامسة لم توافق على الطلب السوري استبعاد القرار 1680 من تمويل تكليف لارسن، فاضطر الجانب السوري الى سحب طلبه. وكاد الطلب السوري من لبنان يتسبب بحساسيات داخلية أيضاً تم تجاوزها، بعدما شنّ فريق «حزب الله» وحركة «أمل» حملة على القرار 1559 واعتبره ميتاً وطالب بأن يسعى لبنان الى سحبه. وأدت هذه الحملة وطلب الديبلوماسية السورية مساندة الخارجية موقفها في اللجنة الخامسة بوزير الخارجية علي الشامي (حركة أمل) الى إبلاغ بعثات ديبلوماسية عربية بأن القرار 1559 مات وانتهى، وبعثات غربية بأن ما يهم لبنان هو القرار 1701 والقراران 425 و 426 وفق ما نص عليه البيان الوزاري للحكومة، وليس أي قرارات أخرى. واستدعى موقف الشامي هذا اتصال الرئيس الحريري به لإبلاغه أن انفراده باتخاذ موقف كالذي أخذه حيال القرار 1559 أمام البعثات العربية من دون التنسيق مع رئيسي الجمهورية والحكومة غير مقبول، فضلاً عن أنه يتجاوز مجلس الوزراء مجتمعاً الذي يفترض أن يبت في أمر كهذا اذا احتاج الأمر ذلك. كما أن الرئيس ميشال سليمان عاد فأبلغ الشامي في جلسة مجلس الوزراء الأولى التي عقدت في 21 كانون الأول (ديسمبر) أن عليه في الأمور الخارجية أن ينسق مع رئيسي الجمهورية والحكومة. وذكرت المصادر الرسمية أن لبنان لا يستطيع أن يوافق على مطالبات بأن يسعى الى سحب القرار 1559 وإلغائه لأسباب كثيرة بدءاً بصدقيته أمام المجتمع الدولي مروراً بأن القرار 1701 الذي تكرر الدولة التزامها به ينص على القرار 1559، الذي بدوره يؤكد انسحاب القوات الأجنبية من أراضيه والذي يعني القوات الاسرائيلية التي ما زالت تحتل جزءاً من أرضه، فضلاً عن شبكات التجسس والخروق المتواصلة للسيادة اللبنانية. وأوضحت المصادر الرسمية نفسها ل «الحياة» أنه اذا كان طلب سحب القرار يعود الى أن نصه على نزع سلاح الميليشيات يشمل سلاح «حزب الله»، فإن الموقف الرسمي والسياسي اللبناني كان على الدوام ومنذ صدور القرار هو أن سلاح المقاومة شأن داخلي يخضع للحوار الوطني استناداً الى اتفاق الطائف... وأن الخارجية اللبنانية أبدت في كل مرة يصدر تقرير عن لارسن ملاحظات عليه من هذه الزاوية. وقالت المصادر الرسمية ل «الحياة» إن بقاء القرار 1680 من ضمن مهمة لارسن لن يؤثر في الإيجابيات المستجدة في العلاقة اللبنانية - السورية على رغم تحفظ دمشق عن هذا القرار، بل على العكس من ذلك، فإن التحسن في العلاقة سيتيح تنفيذ بنود جاءت في القرار وسيلزم الأمين العام للأمم المتحدة في تقاريره عن تنفيذ بنود بالإشارة الى مساهمة سورية في ذلك، وهذا سينعكس مزيداً من التحسن في صورتها أمام المجتمع الدولي وانفتاح الغرب عليها، طالما أن هذا التنفيذ يتم وفق رؤيتها، في إطار العلاقات الثنائية، وبالتالي ستنقلب التقارير في هذا الصدد لمصلحة دمشق في المرحلة المقبلة، خلافاً للسابق. وكان موضوع سياسة لبنان الخارجية مدار بحث في محادثات الرئيسين الأسد والحريري قبل أسبوعين حيث أكد الثاني للأول أن لبنان سيقف الى جانب سورية في مجلس الأمن (الذي بدأت عضويته غير الدائمة فيه منذ أمس) في القضايا التي تهم مصالحها الوطنية ولا سيما في شأن استعادتها أراضيها المحتلة في الجولان من إسرائيل. أواكس إسرائيلية من جهة ثانية طرأ تطور جديد على نوعية الخروق الإسرائيلية للأجواء اللبنانية أمس، اذ ذكرت «الوكالة الوطنية للأنباء» الرسمية أن طائرة استطلاع إسرائيلية ضخمة من نوع «أواكس» حلقت فوق الحدود الدولية جنوباً انطلاقاً من الناقورة وصولاً الى مرتفعات الجولان السورية المحتلة.