لطالما ظلت أسباب انقسام دول العالم في استخدام جهدين للطاقة الكهربائية 110 و220 فولت وبترددين أيضاً 50 أو 60 هيرتز، أمراً مجهول الأسباب، ويظل السؤال الأهم لماذا لا يتفق العالم على جهد وتردد واحد يتم من خلاله تبادل الطاقة وتسهيل الأمور على شركات تصنيع الأجهزة الكهربائية التي تصنع الأجهزء لكل دولة من دول العالم بمواصفات مختلفة؟ وسألت هذا السؤال كثيراً لعدد من الاختصاصيين في وقت سابق، وكانت إجاباتهم تدور حول كفاءة استخدام الطاقة وأمور هندسية، وإن رأيت كشخص عادي أن أتفق معها إلا أن السؤال الأهم سيبقى يدور وهو لماذا إذاً لا تتفق كل الدول على الأكفأ؟ نقلت هذا التساؤل معي إلى مدينة جرينفيل في ولاية كارولاينا الجنوبية الأميركية، حيث تقبع مصانع شركة جنرال إلكتريك على مساحة 413 هكتاراً وتم تخصيص 1.550 مليون قدم مربعة منها لعمليات التصنيع عبر أكبر مصنع للتوربينات الغازية في العالم وبأكثر من 3000 موظف. وإلى جانب منشأة التصنيع، يضم موقع الشركة في جرينفيل المقرات الرئيسة لوحدات «هندسة الطاقة والمياه» و«هندسة توليد الطاقة» و«هندسة مصادر الطاقة المتجددة» في «جنرال إلكتريك». كما يحتضن الموقع نخبة من أفضل المهندسين في العالم ضمن «مركز تقنيات التوربينات الغازية» الذي يمتد على مساحة 166 ألف قدم مربعة، إلى جانب المركز الهندسي الثاني وهو «مختبر تكنولوجيا التوربينات الغازية» الحديث الذي يمتد على مساحة 220 ألف قدم مربعة ويعدّ أكثر مختبرات الاحتراق تطوراً في العالم. وتوجهت بسؤالي لنائب رئيس الشركة لهندسة توليد الطاقة أندروا لمّاس، الذي أبدى تردداً كبيراً في الإجابة قائلاً إن هذه قصة طويلة، ومن ثم توجهت له بسؤال مباشر وقلت له: هل السبب سياسي، فقال: في ذلك الوقت نعم. وجدت الإجابة منطقية وتحمل معلومة غريبة في الوقت ذاته، وبعد بحث متواصل عرفت بعض تفاصيل القصة من مصادر خارج الشركة، إذ صنع العالم الشهير أديسون فى شركة جنرال الكتريك وتم توزيع واستخدام التيار المستمر بجهد 110 فولت وبتردد 60 هيرتز، ثم استطاع العالم تسلا اختراع آلة التيار المتردد بجهد 240 فولت وتردد 60 هرتز، ثم وجد أنه من الأفضل خفض الجهد إلى 110 فولت وذلك لاعتبارات تتعلق بالأمن وسلامة المستخدمين لهذا الجهد. بعد ذلك بفترة استطاعت شركة ألمانية توليد الكهرباء بتردد 50 هرتز، مبقين على استخدام 110 فولت، وكان هذا بداية استخدام الكهرباء فى أوروبا، وكان اختيار 50 هرتز مناسباً لهم نظراً لاعتبارات سهولة التعامل مع الرقم 50 فى الحسابات والقياسات الخاصة بالوحدات والتحويلات الأوروبية. وعلى رغم أنهم وجدوا أن 50 هرتز يؤدي إلى فقد أعلى مقارنة ب60 هرتز، وذلك نظراً لأن المولدات ذات ال50 هرتز تكون سرعتها أبطأ بحوالى 20 في المئة من مثيلاتها من 60 هرتز، إلا أنها كانت مسألة منافسة مع أحداث تلك الفترة التي تواكبت مع حروب عالمية وعزلة اقتصادية بين قطبي العالم، ثم اعتمدت بريطانيا استخدام جهد 220 وتردد 50 هيرتز، وظلت أميركا تستخدم جهد 110 بتردد 60 هيرتز لانتشار التطبيقات وصعوبة تغييرها، ثم انقسمت دول العالم في ذلك الوقت بين الطاقتين وفق التحالفات السياسية والاقتصادية. وجنرال إلكتريك التي أسسها مخترع الضوء الكهربائي أديسون التي أسهمت في اختراع الكهرباء وصناعتها ثم هندستها، بدأت اليوم بإنتاج أضخم توربين غازي في العالم وبكلا الجهدين والترددات الكهربائية لكل دول العالم وبمصادر وقود مختلفة ومخلفات بيئية أقل بحسب ما قال أندور لمّاس ل«الحياة». واتسعت دائرة الاهتمام بالتوربينات الغازية الجديدة من طراز HA، إذ تلقت الشركة 16 طلبية لشراء هذه التوربينات مقارنة مع 15 طلبية بنهاية عام 2014. وارتفع عدد العقود المبرمة لاقتناء تقنية توربينات HA من 45 عقداً بنهاية عام 2014 إلى 53 عقداً، كما وصل عدد الدول التي أبرمت عقوداً للحصول على هذه التقنيات إلى 11 بلداً تتضمن الولاياتالمتحدة، واليابان، والمملكة المتحدة، والبرازيل، وكوريا الجنوبية، وفرنسا، وروسيا، وألمانيا، وتركيا، والأرجنتين، ومصر. وبعد ثلاثة أشهر من اختبارات التحقق الشاملة في قسم الابتكار التابع ل«جنرال إلكتريك» بمدينة جرينفيل، حققت توربينات 9HA.01 الغازية أداءً مميّزاً فاق التوقعات. واستكملت الشركة بنجاح إجراء اختبار رسم الخرائط الحرارية يوم 31 آذار (مارس) 2015. وقال الرئيس والمدير التنفيذي لقسم منتجات وخدمات توليد الطاقة في جنرال إلكتريك للطاقة والمياڤيكتور أباتي: «إن الإمكانات الفريدة التي توفرها منشآتنا في جرينفيل خارج نطاق الشبكة ساعدتنا في تطوير توربينات 9HA.01 الغازية بما يتخطى القدرات المعهودة؛ ويبدي عملاؤنا اهتماماً أكبر بهذه المنتجات بفضل أدائها المميّز، إذ أثبتت توربينات HA قدرتها على مواكبة الطلب العالمي المتنامي للحصول على كميات أكبر من الطاقة النظيفة وعالية الكفاءة». وتمثل توربينات 9HA.01 الغازية نسخة مطوّرة لاستخدام التبريد بالهواء في توربينات «جنرال إلكتريك» الغازية من فئة H-class المبرّدة بالبخار. وترتكز هذه التوربينات على خبرات واسعة ودرجات عالية من المرونة والموثوقية، كما تجمع بين مقدرة التوربينات من فئة F-class وتوربينات H-class التي تعرف بمستوى أدائها العالي من «جنرال إلكتريك». وتتيح توربينات 9HA.1 استطاعة توليد مميّزة، وكفاءة كبيرة في الأداء، ومستويات مميزة من الكفاءة والمرونة التشغيلية. كما ترسي معايير جديدة من حيث إجمالي قيمة دورة الحياة التشغيلية، علاوةً على ذلك، تضمن هذه التوربينات كفاءة استثنائية في أنظمة الدورة المجمّعة بنسبة تزيد على 61 في المئة، فضلاً عن كفاءتها العالية في تحويل الوقود إلى كهرباء بموثوقية وكلفة منخفضة قياساً بتكنولوجيا التوربينات من فئة F-class. وأضاف: «أثمر اختبار إحدى وحدات 9HA.01 الغازية لمدة 200 ساعة في جرينفيل عن تقديم معلومات أكثر قيمة من 500 وحدة ميدانية لمدة عام كامل. وعلى مدى 3 أشهر من الاختبارات وفق شروط السرعة القصوى والحمولة الكاملة، نجحنا في جمع ما يزيد على 5 تيرابايت من البيانات باستخدام 5 آلاف أداة وجهاز استشعار، ورصد أكثر من 8 آلاف تيارٍ للبيانات». واختتم أباتي بقوله: «تكنولوجيا توربينات HA ترسي معايير مبتكرة في القطاع. وتستثمر جنرال إلكتريك بليوني دولار لتطوير هذه التوربينات ذات الكفاءة العالية؛ ويدرك العملاء حول العالم أن هذا الاستثمار سيحقق نتائج مجزية لهم وللمستفيدين منها بفضل توفيرها طاقة كهربائية منخفضة الكلفة».