قنبلة، انقلاب، عصر جديد للتلفزيون... عبارات استخدمت لوصف قرار الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بإلغاء الإعلانات على محطات التلفزيون العامة بعد 40 عاماً من بدئها. هذا القرار «الحدث» الذي اتخذ بداية عام 2009 لم يثر قلق العاملين في المحطات الخمس الذين خشوا «قفزة في الهواء» فحسب، وإنما أقلق أيضاً المخرجين والمنتجين والمؤلفين الذين تساءلوا حول تمويل المحطات وكيفية تعويض الخسارة الناجمة من فقدان مردود الإعلانات. لم تقتصر ردود الفعل على العاملين في القطاع الإعلامي، فقد أبرز استطلاع للرأي أن فرنسياً من أصل اثنين اعتبر أن القرار سيؤثر على استقلالية المحطات العامة التي ستغدو مرتبطة أكثر بالدولة الممول شبه الوحيد. كما رأى كثر في القرار «هدية» من الحكومة للمحطات الخاصة لا سيما أن تلك لم تكتف بتحول المعلنين إليها، بل سمح لها من قبل الجهات المختصة بتنظيم البث التلفزيوني في فرنسا بإحداث فترة إعلانية ثانية خلال عرض الأفلام بعد أن كان عليها الاكتفاء بفاصل إعلاني واحد. إلغاء الإعلانات على مجموعة المحطات العامة الخمس اعتباراً من الثامنة مساء وحتى السادسة صباحاً تمهيداً لإلغائها بالكامل عام 2011، يندرج بحسب ما أعلن ضمن خطة إصلاحية شاملة للتلفزة العامة. إعلانات أقل، وأمسيات تبدأ في وقت أبكر، مع السماح للمحطتين الثانية والثالثة ببث الأفلام السينمائية السبت اعتباراً من الحادية عشرة ليلاً، وهو ما كان ممنوعاً في ما سبق لدعم السينما وحث الفرنسيين على الذهاب إليها في عطلة نهاية الأسبوع. تهدف تلك الإجراءات إلى إغناء التلفزيون وبرامجه الثقافية، فهي تتيح بث تلك البرامج في وقت أبكر على اعتبار أن «الثقافة يجب ألا تكون حكراً على الساهرين» كما أعلنت الحكومة، في إشارة إلى قيام عدد من القنوات ببث البرامج الثقافية في وقت متأخر حين تكون نسبة المشاهدة أخف. وكانت النشرات الإخبارية التي تستقطب 39 في المئة من الفرنسيين بعد الأفلام (44 في المئة) الأكثر تأثراً بالإجراء الجديد. فقد اختصر منها أربع دقائق على المحطة الثانية (فرانس 2) لتنتهي في تمام الثامنة والنصف ولتبدأ السهرة بعدها بخمس دقائق. إنه عام التحول والتغير الكبير للمشاهدين، فالمشاهد الفرنسي يبدأ أمسيته أمام الشاشة الصغيرة نحو الثامنة مساء لمتابعة نشرات الأخبار الرئيسة التي تليها فترتان لبرامج السهرة. وبإلغاء الإعلانات تم تقديم موعد السهرة ربع ساعة ما قلب عادات الفرنسيين من حيث تنظيم أوقات العشاء ومواعيد نوم الأطفال. وأجرت القنوات الخاصة مثل «تي اف 1» و «ام 6» تعديلات هي الأخرى على مواعيد بدء السهرة لتتواءم مع المحطات العامة. وبينت الدراسات الأخيرة التي أجريت بعد ثمانية أشهر من إلغاء الدعاية أن القرار كان ايجابياً، مادياً على الأقل لسنتين مقبلتين، فالدولة التي تمول القسم الأكبر من الموازنة الكلية (450 مليون يورو) ستفي بالتزاماتها بعد أن فرضت ضريبة إضافية على المحطات الخاصة وعلى شركات الخليوي والانترنت، وبعد أن رفعت بنسبة طفيفة الضريبة التي يدفعها المواطن على امتلاكه جهاز تلفزيون. كما تبين أن نسبة الدعاية قبل الثامنة مساء على المحطات العامة ازدادت بمعدل 9 في المئة بحيث كانت حصيلة المحطات الثانية والثالثة والخامسة 224 مليون يورو، وهذا على رغم الأزمة الاقتصادية التي تركت آثارها خلال هذا العام على المحطات كافة، العامة منها والخاصة، والتي بدأت بالخروج منها واستعادة الخسارة اعتباراً من أيلول (سبتمبر) الماضي. عام 2009 لم يكن فقط العام الذي حدد «تمايزاً» بين المحطات الفرنسية العامة والخاصة، بل هو أيضاً بداية النهاية للبث التلفزيوني بحسب النظام التماثلي في فرنسا. فهذه الطريقة «التقليدية» ستنحسر تدريجاً اعتباراً من نهاية هذا العام إلى أن تختفي نهائياً بحلول نهاية العام المقبل حيث سيحل البث الرقمي مكانها.