لم تتوقف الصحف السعودية عن تناول «كارثة سيول جدة» بالأخبار والمقالات والتعليقات، وأصبح الحديث عن الفساد هو الموضوع المشترك بين كل الصحف، وقبل ان تهدأ الحملة أعلنت لجنة تقصي الحقائق توقيف 15 موظفاً، ومنع بعض المسؤولين الكبار ورجال الأعمال من السفر، فأعطت هذه الأخبار شحنة جديدة لكتاب الأعمدة والصحافيين لمواصلة الحملة على الفساد. الحملة على الفساد التي تتبناها الصحافة السعودية منذ اكثر من شهر، تعددت عناوينها، فتطرقت الى ترهل الإدارة الحكومية، غياب المراقبة والمسؤولية والمحاسبة والشفافية، والتهاون، وأساليب ترسية المشاريع، ومنح الأراضي، وتخطيط المدن، الرقابة، وغيرها من القضايا. لكن الحملة لم تتطرق الى دور الإعلام في قضية الفساد التي كشفت «كارثة جدة» اتساعها وتشعبها، ولم يشر أحد إلى أن كل المشاريع التي تبين أنها «ما بيّنت، ضايعة»، كما قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطاب الموازنة، مجدتها الصحف ونفخت صورتها، ونشرت عنها «مانشتات» قبل بدء تنفيذها، فضلاً عن أن الصحف لم تزل تمارس أساليب «الدعاية» في تغطية أخبار مؤسسات الحكومة، ولم تتوقف عن هذا النهج، على رغم وقوع الكارثة. لا شك في أن لجنة التحقيق في أسباب كارثة جدة، تعتبر سابقة في تاريخ لجان التحقيق، ليس لأن الملك عبدالله بن عبدالعزيز قدمها بلغة غير معهودة، وإنما لأنها أعلنت أولى نتائجها في وقت قصير، على رغم ان بعضهم راهن في البداية على أن هذه اللجنة مجرد وسيلة لامتصاص غضب المواطنين، معتبراً ان مصيرها سيكون شبيهاً بلجان سابقة طوى الزمن ذكرها، وكانت آخرها لجنة التحقيق في حادث حرق أرشيف بلدية جدة العام الماضي، والذي نرجو ان يكون ضمن أعمال اللجنة الجديدة. الأكيد أن هذه اللجنة ستدخل التاريخ إذا وضعت الصحف والصحافيين على قائمة من سيشملهم الاستدعاء والتحقيق. فبعض الصحف والصحافيين كان مسؤولاً عن التدليس ونشر أخبار غير حقيقية، وتضخيم مشاريع وهمية، ومثلما أن القانون يعاقب الصحافي الذي ينتقد أجهزة الحكومة بطريقة غير قانونية، يجب ان يعاقب القانون الصحافي الذي يكذب على الرأي العام، ويزيّف وعي الناس بالدعاية والنفاق. إذا استطاعت هذه اللجنة أن تحاكم بعض الصحف والصحافيين بتهمة التدليس على الرأي العام، فإنها ستقضي على نصف الفساد، وتعيد الصحافة الى دورها المفترض.