أدى ترسيخ الاستقرار السياسي والأمني في لبنان خلال العام 2009 إلى استعادة بعض الاستثمارات والرساميل وإلى موسم سياحي قياسي، فيما كانت تأثيرات الأزمة المالية العالمية على البلاد محدودة ما انعكس إيجابا على الوضعين المالي والاقتصادي وأنعش الأمل باستمرار هذا التطور الايجابي خلال العام المقبل. ووصف وزير المال الأسبق، الخبير المالي، جهاد أزعور سنة 2009 بأنها سنة "انتعاش" استفاد لبنان خلالها من الاستقرار السياسي بعد انتهاء أزمته بانتخاب الرئيس الحالي ميشال سليمان عام 2008، لينعكس ذلك إيجابا على الوضعين المالي والاقتصادي. وقال أزعور ليونايتد برس انترناشونال إن لبنان تمكن خلال هذا العام "من استعادة جزء مما خسره خلال المرحلة الماضية من استثمارات ودخول رؤوس أموال وسياحة ". وأضاف "كانت سنة قياسية سياحيا "، وشهدت دخول رؤوس أموال بوتيرة " جيدة " ،وارتفع مستوى النمو المتوقع ( نحو 7% ) رغم أن المنطقة لم تشهد مثل هذه النسبة. وأوضح أزعور أن لبنان تمكن من مواجهة الأزمة المالية العالمية التي كانت تأثيراتها محدودة عليه، كما استفاد من تراجع أسعار النفط والتضخم العالمي. وأشار إلى تحسن النمو في السياحة،وبالمقابل إلى تباطؤ استكمال الإصلاحات الضرورية ماليا واقتصاديا ،وبخاصة في قطاعات كالكهرباء والاتصالات. وأضاف أن السياسات الاقتصادية لم تشهد خلال العام الحالي "نقلة نوعية" لأن حكومة "الوحدة الوطنية " السابقة لم تعمل ك "حكومة واحدة "، مشيرا إلى أن هذا العام شهد ارتفاعا في الإيرادات لكن في الوقت نفسه شهد ارتفاعا كبيرا في النفقات. ورأى أزعور أن لبنان استفاد اقتصاديا وماليا من الوضع السياسي المحلي، ومن المتغيرات الإقليمية ما جعل المستثمرين يقبلون على الاستثمار فيه وبخاصة في قطاع العقارات، لافتا إلى عدم استفادة قطاعات أخرى من هذه الاستثمارات كالاتصالات والكهرباء وأن ارتفاع السيولة لم ينعكس على تمويل قطاعات إنتاجية. ووصف العام 2009 بأنه " جيد ويحضر لسنة واعدة "،آملا في أن يستمر لبنان بالاستفادة من الانعكاس الإقليمي الايجابي على أوضاعه الداخلية "رغم أن الأوضاع الإقليمية غير مشجعة". واعتبر وزير المال الأسبق جورج قرم، وهو من المنتقدين لسياسات الحكومات السابقة المالية، أن عام 2009 تميز بعدم تأثر لبنان بما حصل في العالم من "أزمة مالية عملاقة ومربكة في المجالين المالي والاقتصادي ". وقال قرم ليونايتد برس انترناشونال إن أسباب هذه المناعة تعود إلى عوامل عديدة، منها أن أرباح المصارف العاملة في لبنان مرتكزة على مصادر داخلية للربح وليس على التوظيفات في مجالات دولية الطابع. وأضاف أن من أسباب المناعة أيضا ما شهده لبنان من موسم سياحي مزدهر حيث لامس عدد الذين زاروا لبنان هذا العام نحو 2 مليون زائر بينما كان عدد زوار لبنان عام 2008 نحو مليون ونصف المليون زائر. وأوضح قرم أن لبنان لم يتأثر بالأزمة المالية العالمية،رغم فقدان عدد غير محدد من اللبنانيين وظائفهم في دول الخليج وبخاصة في دبي ،مشيرا إلى أن عودتهم إلى لبنان كانت من العوامل المفيدة لوجود فرص عمل في مجالات عدة في البلاد في قطاعات الاتصالات والعقار. وقال إن الوضع الأمني الذي استتب في لبنان كان أيضا من العوامل التي انعكست إيجابا على الوضع المالي اللبناني. ولفت قرم إلى أن الدين العام للدولة الذي لامس 50 مليار دولار"معرقل كبير لمزيد من التنمية "بخاصة وان خدمته "ما تزال ترتفع" وان كانت نسبته إلى الناتج المحلي الصافي "أخذت تنخفض بسبب التضخم وزيادة معدلات النمو". ورأى الخبير الاقتصادي الدكتور كمال حمدان أنه خلافا لما كان متوقعا من تأثير للازمة المالية العالمية على لبنان، يبدو أن الاقتصاد اللبناني واصل هذا العام نموه بمعدلات مرتفعة نسبيا ( نحو 7% كما هو متوقع ) وهذا يعني ضعفي المعدل السنوي الذي سجل ما بين عامي 1994 و2005. وقال حمدان ليونايتد برس انترناشونال إن المؤشرات المالية والنقدية أظهرت أن التحويلات من الخارج لم تنخفض إلا بنسبة محدودة جدا ،وهي بحدود 7 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك، فإن موجودات مصرف لبنان المركزي من العملات الأجنبية وصلت إلى أرقام قياسية (حوالي 28 مليار دولار) بسبب إقبال المودعين في المصارف على الليرة اللبنانية للاستفادة من الفائدة المرتفعة عليها مقارنة بالفائدة على الدولار. كما أن فائض ميزان المدفوعات سجل أرقاما قياسية إذ وصل حتى نهاية أكتوبر'تشرين الأول الماضي إلى 6 مليارات دولار. لكن حمدان أشار إلى انه من غير المعروف تماما مدى توزيع ثمرات النمو على المناطق وعلى النفقات الاجتماعية وما إذا كانت فعالية النمو كبيرة كما هي عليه بالنسبة للمؤشرات النقدية. ولفت إلى أن المشاكل كبيرة، وان العجز في موازنة الدولة مرتفع بالنسبة للناتج المحلي ، وخدمة الدين العام لا تزال تسجل ارتفاعات سنوية عالية. وقال إن العوامل البنيوية ما تزال تعترض انطلاقة الاقتصاد الحقيقي، لكن في المقابل سجل مستوى الأسعار اتجاها واضحا نحو الانخفاض يرجح ألا يزيد عن 3% هذا العام. وكل ما يأمله اللبنانيون أن يستمر الاستقرار السياسي والأمني لكي يستعيدوا بعضا من الازدهار المالي والاقتصادي.