اعتصم 300 ناشط فرنسي أمام سفارة بلادهم في القاهرة احتجاجاً على عدم سماح السلطات المصرية لهم بعبور أراضيها الى قطاع غزة. المعتصمون الفرنسيون جزء من مجموعة دولية تمثل 43 دولة، أعلنت الأسبوع الماضي عزمها على تنظيم مسيرة «الحرية لغزة» انطلاقاً من مدينة رفح الحدودية المصرية، وإحياءً للذكرى السنوية الأولى للحرب الهمجية على الفلسطينيين في غزة. تعامل مصر السياسي والإعلامي مع الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة لم يكن موفقاً، وساهم - الى حد بعيد - في جعل الذكرى مناسبة للهجوم عليها، وتحميلها وزر جرائم الحرب، ومعاودة تكرار الهجوم على سياستها، الذي بلغ مداه إبان العدوان على غزة. فبقيت مصر ساحة اللوم والتقريع، وانطبق على حالها مَثَل «الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون». كان بإمكان مصر السماح للمسيرة بعبور أراضيها الى القطاع، واستغلالها لكشف همجية إسرائيل وتواطؤ واشنطن وباريس ولندن وبقية عواصم الغرب، وفتح عيون الفلسطينيين والعرب على دور «حماس» في هذه الحرب التي جعلت الفلسطينيين مجرد وقود لتحقيق شعارات سياسية. لكن السلطات المصرية، للأسف، لم تفعل ذلك، ولم ترخّص لهؤلاء النشطاء بالعبور، وتستثمر مسيرتهم في تصحيح الصورة السياسية لموقفها. فأصبح هؤلاء النشطاء «يواجهون» الحكومة المصرية، بدلاً من إسرائيل و «حماس»، وقطعوا حركة المرور، ونصبوا الخيم مرددين «لن نتزحزح من هنا ما دمنا لم نحصل على حافلاتنا»... أصبح عبورهم هو القضية. المشهد يتكرر. إبان الحرب على غزة نسي بعض الإعلام العربي وحشية إسرائيل، ورعونة بعض السياسيين الفلسطينيين، وتوقفَ عند قصة المعابر، وخلال أيام أصبحت مصر في عين العاصفة، وزاد سوء موقفها تخاذل الإعلام المصري، ومشاركة بعضه في الهجوم على البلد. الحرب على غزة انتهت، لكنها بقيت وقوداً للإعلام والسياسة، ويمكن مصر تسهيل مهمة أولئك النشطاء لفضح جرائم إسرائيل، واستخدامها مواد محرمة، ومنعها حركة الإعمار، والحديث عن استغلال «حماس» ظروف الحرب لاعتقال معارضين لها وتعذيبهم، على رغم فظاعة الظروف. كان بإمكان مصر ان تعاود ترتيب صورتها التي شُوِّهت سابقاً، لكنها لم تفعل.