لا يثير الكاتب السوداني أمير تاج السر في كتابه «ذاكرة الحكائين» الصادر عن دار الربيع العربي للنشر والتوزيع مواضيع أدبية وظواهر ثقافية تمس صميم الكتابة الإبداعية وأسئلتها، إنما أيضاً يضيء كتابته هو نفسه، في أسلوب أقرب إلى الحكي الشفيف والعميق في آن، يقترب صاحب «العطر الفرنسي» رويداً رويداً من موضوعه. يكتب تاج السر عن كيف يصنع الأدباء من الكوارث، مثلاً، أدباً رفيعاً، وفي الوقت ذاته يكون كمن يفشي ملمحاً من أسرار الكتابة عنده. فهو يضيء كتابة الآخرين في كتابه، وفي الحين ذاته، وفي شكل غير مباشر، كأنما يقول لنا أيضاً كيف يؤلف رواياته، التي أصبحت لحظة أساسية في السرد العربي الحديث، وكيف تنبثق الفكرة لديه، ثم كيف تنمو. الكتاب الذي يقع في 188 صفحة، عبارة عن مقالات سبق للكاتب نشرها في صحف ومجلات، إلا أن إعادة نشرها في كتاب يجعل منها مادة غنية قابلة للقراءة على أكثر من وجه، وفيها يجد الكاتب، سواء أكان شاباً أم كبيراً، مقترحات جديدة لزوايا مغايرة للكتابة أو مدخلاً لقراءة رواية ما، أو للتنبيه من ظاهرة تتفشى، مثل ظاهرة القراءة المغشوشة. ويبدو الكتاب جديداً وهو يتجول بقارئه في ذاكرة الحكائين، ويستنطق مخيلات الروائيين، ويناقش الظواهر الثقافية والأدبية، ويثير الأسئلة الحيوية حولها. يعرب أمير تاج السر عن أساه لعدم الاهتمام بالحكائين المبدعين، الذين يحكون أو يكتبون للمتعة الشخصية أو الرغبة الملحة بإيصال أفكارهم، كاشفاً عن استلهامه شخصياً عدداً من حكاياتهم الخام. ويكتب عن شارع الإنترنت والتستر على التفاهات، «التي ربما يفضحها شارع ضيق في حارة واقعية». وفي كتابه يقول إن الكتابة ليست مشروطة بمكان معين، حتى لو عشقه الكاتب. فالكتابة في رأيه، تمتلك جنونها الخاص، ذلك الجنون الذي يتوجه مباشرة نحو مكان الخبرة الأولى. ويكشف صاحب «زحف النمل» شغفه بالكتابة العفوية، التي تأتي من دون تخطيط أو تفكير مسبق. وفي صفحات أخرى، يتطرق إلى العلاقة التي تجمع بين الناشر والكاتب في العالم العربي، ويقول إن المؤلف مهما علا شأنه، ومهما اشتهر فليس له أي شيء، والسبب أن الناشر يمسك بكل شيء. ويقترح وجود وكيل أدبي للمؤلف يهتم بحقوقه لدى دور النشر، كما يحدث في الغرب.