«بيروت عاصمة عالمية للكتاب» لعام 2009... عنوان أطلقته منظمة «اليونسكو»، لتمنح بيروت شرف تتويجها العاصمة التاسعة في العالم، والأولى في العام العربي، التي تحمل هذا اللقب. فعاليات هذا المهرجان الثقافي تبدأ هذا الأربعاء، وتشمل نشاطات ثقافية عدة تتمحور في جزء كبير منها حول خلق دينامية ثقافية على المستوى الوطني، ورفع النسبة العامة للقراءة، وتثبيت سلوكية ارتياد المكتبات، وتشجيع المطالعة في الأماكن العامة، وتبني مقاربة متنوعة نحو الثقافة ترتكز إلى الانفتاح على مختلف الحضارات... أما الهدف المباشر والأصعب فهو محاولة إدخال الكتاب الى كل بيت. وتتأهب بيروت «بخجل» لمواكبة هذا الحدث، ولتجاوز عائق كبير في «العلاقة» التي تربطها بالكتاب: «عادة» القراءة لم تأخذ مكانها بعد في يوميات المواطن اللبناني، وحال المكتبات العامة تشبه حال «الكسل» المستشرية في الإقبال على الكتاب. والواضح أن شحّ المكتبات العامة في لبنان، يعكس علاقة «الجفاء» مع الكتاب، على رغم المحاولات الحكومية «المحدودة» والمبادرات الفردية الأكثر نشاطاً، في تقريب المسافة بين عالم الكتاب الشاسع واللبناني الغارق في همومه اليومية. في بيروت الكبرى وضواحيها سبع مكتبات عامة فقط، تتّكل على هبات تكاد تكون رمزية من وزارتي الثقافة والتربية، ومن هبات من مؤسسات خارجية متخصصة ومنظمات دولية. وبدأ «عصر المكننة» يأخذ طريقه الى هذه المكتبات، إذ أعلن عن مكننة 23 مكتبة في مناطق لبنانية عدة في 19 من الشهر الماضي من قبل «مؤسسة الوليد بن طلال»، وهي مرحلة أولى من مشروع يشمل 40 مكتبة بالتعاون مع وزارة الثقافة اللبنانية. تنظم المكتبات العامة العديد من النشاطات، لكل الفئات العمرية، وخصوصاً أطفال المدارس، وتجد إقبالاً أكبر في فصل الصيف، فيما يخصص فصل الشتاء للأعمال البحثية أكثر منه لتوسيع آفاق المطالعة. وقليل من المكتبات يعتمد «نظام الإعارة»، إذ يشدد المسؤولون على ضرورة تشجيع عادة ارتياد هذه المكتبات. وتقوم وزارة الثقافة منذ 5 سنوات بحملات توعية عبر إقامة «أسبوع المطالعة» سنوياً، ويتم تنظيم مؤتمرات بالتعاون مع مكتب «اليونسكو» الإقليمي في بيروت لتشجيع مكتبات المدارس كمراكز للتأسيس لثقافة القراءة وجمع المعلومات، فضلاً عن «معرض الكتاب» السنوي في بيروت. لكن وفق الإحصاءات الأخيرة، لا يزال لبنان «متخلفاً» كثيراً عن مجاراة الدول الأخرى، ويقول مسؤول في وزارة الثقافة: «العربي يقرأ ثلث صفحة في العام، فيما الأميركي يقرأ 11 كتاباً سنوياً، والنسبة أعلى بكثير في الدول الأوروبية». والإحصاءات نفسها تشير الى أن عدد المكتبات العامة لا يتعدى المئة على مستوى لبنان، وهي لا تستقطب إلا أعداداً قليلة من طلاب المدارس والجامعات، والعديد منها يفتقر الى المراجع الضرورية. وترصد المؤسسات المتخصصة هبوط نسبة الإقبال على القراءة بعد التخرج من الجامعة، إذ يميل الشباب الى استبدال «الورق» بالإنترنت، وإذا لزم الأمر شراء الكتب عبره. كما يلاحظ أن المصنّفين في خانة «المدمنين» على القراءة، هم عادة الذين لا يرتادون المكتبات العامة، بل يعمدون الى شرائها أو تبادلها مع الآخرين. تعتبر وزارة الثقافة في لبنان الأكثر «فقراً» بين زميلاتها، إذ يخصص لها نسبة 0,01 في المئة من موازنة الدولة، الأمر الذي ينعكس جموداً في تدعيم «ثقافة الكتاب»، مما يضعف «شبكة» المكتبات الوطنية التي تختصر ب «ذاكرة الوطن»، ومع ذلك تستمر في «زرع» المكتبات العامة وخصوصاً في القرى تحت شعار «مكتبة قرب بيتك». لكن الإقبال على هذه المكتبات لا يزال دون المستوى المطلوب. ويراهن البعض على أن اختيار «اليونسكو» لبنان «عاصمة عالمية للكتاب» قد يدفع باتجاه تعزيز دور المكتبات العامة، التي تبدو في حاجة ماسة لنفض الغبار عن كتبها «المرصوصة» فوق الرفوف. مكتبة الباشورة (غرب بيروت) مكتبة عامة في بيروت ولدت عام 2000 وحلّت كبديل موقت عن «المكتبة الوطنية» التي دمرت خلال الحرب، وبعد أربع سنوات انشئت مكتبة الجعيتاوي (شرق بيروت)، وشهد العام الماضي افتتاح ثالث مكتبة عامة في مونو وإطلاق مكتبة متنقلة. وقد أوكلت بلدية بيروت الى «جمعية السبيل - أصدقاء المكتبات العامة» مهمة إدارة هذه المكتبات. وأشار التقرير السنوي الذي أصدرته الجمعية لعام 2008 الى بلوغ نسبة رواد المكتبات الثلاث 25,500 زائر خلال 218 يوم عمل، بارتفاع ملحوظ عن السنوات الماضية على رغم الأحداث الأمنية التي شهدتها العاصمة. وتبقى هذه النسبة الأعلى مقارنة ببقية المكتبات في المناطق اللبنانية، وتقول المسؤولة في «جمعية السبيل» ميشيل وردة: «شهدنا إقبالاً جيداً على ارتياد المكتبات العامة، لكن الغالبية هي من طلاب المدارس المحيطة التي تفتقد الى وجود مكتبات داخلها، ونعمل لتوسيع آفاق المطالعة لدى الفئة الشبابية كمدخل للتأسيس لمخزون ثقافي متنوع لديهم». وفي إطار فعاليات «لبنان عاصمة عالمية للكتاب»، توضح وردة: «رسا خيار وزارة الثقافة على مشروع تقدمت به «جمعية السبيل» يهدف الى تسليط الضوء على المكتبات العامة كأماكن عامة للجميع، وبالأخص لسكان الأحياء المحيطة بالمكتبات إذ يشجع على إحياء التراث والإرث الثقافي لهذه الأحياء».