اخترق تفجير غامض في الضاحية الجنوبية لبيروت ليل أول من أمس أجواء الهدوء التي ينعم بها لبنان منذ مدة، إذ استهدفت عبوة ناسفة سيارة تابعة لحركة «حماس» في مرآب مبنى للحركة مكتب فيه. وأعلن مسؤول «حماس» في لبنان أسامة حمدان عن سقوط شهيدين لها في الانفجار، فيما أشارت روايات أخرى الى مقتل 3 عناصر منها وجرح 7 آخرين، جروح أحدهم حرجة. ووقع الانفجار في منطقة حارة حريك - بئر العبد، معقل «حزب الله»، عشية الاحتفالات بذكرى العاشر من محرم ومسيرات العزاء التي خرج فيها الشيعة اللبنانيون إحياء للذكرى، لا سيما في الضاحية الجنوبية، حيث شارك عشرات الآلاف في تجمع حاشد دعا إليه «حزب الله»، وتحدث خلاله أمينه العام السيد حسن نصر الله الذي دعا المسيحيين الى نقاش هادئ حول الخيارات الحالية والمستقبلية، وناشد في الوقت نفسه «القيادة في مصر وقف بناء الجدار» على الحدود مع قطاع غزة. ولم يتناول نصر الله الانفجار في خطابه، فيما دان رئيس الجمهورية ميشال سليمان «الحادث الأمني» واعتبره عملاً تخريبياً يهدف أعداء الوطن من خلاله الى زعزعة الاستقرار. وضرب «حزب الله» طوقاً أمنياً مشدداً حول مكان الحادث، خصوصاً انه وقع عشية التجمع الجماهيري الحاشد في الضاحية أمس، ما دفعه الى تعزيز احتياطاته الأمنية. ومُنع مصورو محطات التلفزة والصحافة من الاقتراب من مكان الانفجار حتى أمس، ولم تتمكن الأجهزة اللبنانية الرسمية من أمنية وقضائية من معاينة مكان الحادث، إلا عصر أمس، بعد ان كان وزير الإعلام طارق متري أعلن ان القوى الأمنية لم تتمكن من القيام بالحد الأدنى من واجبها إثر الانفجار. وقال: «على «حزب الله» ان يثبت الأقوال بالأفعال حين يقول انه يريد ان تقوم الدولة بواجبها». وفيما تجاهل تلفزيون «المنار» التابع ل «حزب الله» نبأ الانفجار منذ ليل أول من أمس حتى مساء أمس، تفقد مفوض الحكومة المعاون لدى المحكمة العسكرية القاضي رهيف رمضان مكان الانفجار عصر أمس «وكلف خبراء الهندسة في الجيش الكشف على المكان». وذكر نبأ بثته «الوكالة الوطنية للأنباء»، الرسمية ان هؤلاء الخبراء «قاموا بالمهمة أمس واليوم (أول من أمس وأمس) وأن القاضي رمضان كلف الأدلة الجنائية التي عاينت المكان والتقطت الصور ورفعت البصمات لإجراء التحقيقات اللازمة، إضافة الى تكليفه أطباء شرعيين معاينة جثتي الشهيدين وحالة الجريحين. والتحقيقات مستمرة بإشرافه. وأفادت «الوكالة الوطنية» انه وبنتيجة المعاينات تبين ان الانفجار «نتج من عبوة زنتها 15 كيلوغراماً من مادة ال «تي أن تي» كانت موضوعة في طبقة تحت الأرض تستخدمها حركة حماس كمكتب». وإذ أمضى القاضي رمضان زهاء نصف ساعة يعاين مكان الانفجار، عقد مسؤول «حماس» أسامة حمدان بعد الظهر مؤتمراً صحافياً، ونعى في بيان للحركة «الشهيدين باسل احمد جمعة (29 سنة) وحسن سعيد الحداد (21 سنة) إثر انفجار أدى الى استشهادهما السبت». وأكد ان «المكان الذي وقع فيه الانفجار يستخدم من قبل الحركة، وفيه مكان لمبيت الأخوة المرافقين والأمر قيد المتابعة من قبل الجهات والمرجعيات المعنية لكشف كل الملابسات». وفي رده على الأسئلة قال حمدان ان جمعة من الكوادر القيادية المرافقة وأن حداد من القياديين في «حماس»، لكنه امتنع عن إعطاء تفاصيل إضافية عن الانفجار قائلاً ان «اهم ما فيه» ان المكان الذي وقع فيه يستخدم من قبل الحركة، وقال انه لن يتكلم «عن الجزء قبل ان تنجلي الصورة الكاملة». وقال ان المسألة دقيقة وتحتاج الى التروي من اجل كشف ملابسات الانفجار، داعياً الى عدم إصدار تفسيرات واستنتاجات من هنا وهناك. وأضاف: «لسنا في صدد الاستعجال للحديث عن خلفيات ترتبط بالحادث». ورداً على سؤال عن تزامن الانفجار مع الذكرى السنوية الأولى للحرب الإسرائيلية على غزة قال حمدان: «أرجو ألا يكون هناك ربط مع بعض المسائل التي يمكن ألا يكون ربط بينها. و «حماس» تقود حركة مقاومة ضد الاحتلال»، ودعا الى عدم الذهاب بعيداً في الاحتمالات. وتعددت الروايات حول الحادث نتيجة عدم وضوح المعطيات عن طريقة حصول الانفجار. وأفاد بعض الأنباء انه حصل في مكتب الحركة وأشارت معلومات أخرى الى وقوعه بين الثامنة والنصف والتاسعة ليلاً في سيارة مرافقة تابعة للحركة قرب المكتب، تشكل جزءاً من سيارات المواكبة لحمدان، فيما قالت رواية أخرى من مقربين من «حماس» ان الانفجار وقع في طرد من الطرود العينية التي ترسل الى الحركة كتبرعات. ولم يتحدد ما اذا كان التفجير تم بتحكم من بعد ام بساعة توقيت. لكن أوساطاً أمنية شبهت بين طريقة حصوله وطريقة التفجير الذي حصل حين اغتالت إسرائيل القياديين في حركة «الجهاد الإسلامي» نضال ومحمد المجذوب في صيدا العام 2006. وتميز خطاب نصر الله لمناسبة عاشوراء بالرد على أطروحات بعض مسيحيي قوى 14 آذار بالتحفظ عن البند السادس في بيان الحكومة الجديدة الذي يعطي الحق للمقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، فقال: «لم نستفز ولن ننجر للاستفزاز الذي يمارسه بعض القوى السياسية في الداخل اللبناني، ونتفهم خلفياتهم وظروفهم». وأضاف: «اليوم لا يستطيعون ان يهاجموا سورية (لأننا) دخلنا في مرحلة جديدة في العلاقات وأن يهاجموا المعارضة شيء صعب لأن وزراء المعارضة والموالاة في حكومة واحدة. بقي لهم سلاح المقاومة، سنتفهم هذا الأمر...». ودعا نصر الله «المسيحيين في لبنان الى نقاش هادئ، بعيداً من الخطابات الحماسية والتصريحات الانفعالية في ما بينهم وفي داخلهم حول الخيارات الحالية والمستقبلية والاستفادة من كل تجارب الماضي»، مذكراً ب «رهان بعضهم على إسرائيل وأين أوصل المسيحيين وأن يراجعوا رهانات البعض على الإدارة الأميركية، وأمامنا نموذج العراق حيث 150 ألف جندي أميركي وجيش طويل عريض لم يستطع حماية المسيحيين...». وتابع: «أدعوهم الى قراءة دقيقة للمتغيرات الدولية ولحسابات المصالح وكيف تنعقد المستويات الدولية والإقليمية وعلى حساب من وأقول لهم ان مصلحة المسيحيين في لبنان هي في لبنان وليست في أي مكان آخر ومن مصلحتهم ان يتعاونوا ويتكاملوا مع بقية اللبنانيين». كما توجه نصر الله الى المسلمين مشيراً الى تجاوز مرحلة الفتنة بين المسلمين في لبنان «وأيدينا جميعاً ممدودة للتعاون والتلاقي في حكومة الوحدة الوطنية»، محذراً من ان «البعض سيعمل لإعادة الوضع الى السابق». كما رد نصر الله على التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان قائلاً إن «إسرائيل كانت في الماضي تفعل اكثر مما تتكلم واليوم تتكلم أكثر مما تفعل لأنها لم تعد قادرة على الفعل كما في الماضي، وقد يكون هذا التهديد كله حرباً نفسيه لإخضاع لبنان لكن لو فُرضت علينا أي حرب، سنقاتل قتال الكربلائيين الحسينيين». وجدد نصرالله الدعوة الى رفع الحصار عن قطاع غزة وقال «نسمع عن جدار فولاذي وعن تدفق للمياه في الانفاق (...) ونناشد اليوم النظام في مصر، والحكومة في مصر، والقيادة في مصر ان توقف الجدار وإغراق الانفاق وان تفك الحصار، وإلا يجب ان تكون موضع إدانة من كل العرب وكل المسلمين وكل الشرفاء واحرار هذا العالم، ولا يجوز ان يستمر هذا السكوت الظالم على حصار شعب بكامله اياً تكن الحجج والأعذار». ونظمت حركة «أمل» مسيرة حسينية مستقلة في الضاحية الجنوبية، فيما أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المناسبة في احتفال في مقره.