دفع الارتفاع الكبير في أسعار الذهب نحو 20 في المئة من تجار الذهب للتحول إلى مهن أخرى غير التجارة في الذهب، وهو ما انعكس أيضاً على قرابة 146 ورشة متخصصة في صياغته، إذ قامت بإغلاق أبوابها مع تحويل نشاطها، في وقت خلت فيه منازل السعوديين من المعدن «النفيس»، وفاق المعروض الطلب، في وقت يباع فيه الذهب السعودي في بلجيكا وفرنسا وإسبانيا بل ووصل إلى أميركا. وقال خبير الذهب والمجوهرات سامي المهنا، إن الورش المتخصصة في سبك الذهب وتصليحه أغلقت بالجملة، إذ تراوح عدد الورش التي أغلقت بين 120 و146 ورشة على مستوى السعودية، وهي نسبة كبيرة، بعد ابتعاد المستهلكين عن شرائه، واتجهوا إلى نشاط آخر، لافتاً إلى أن غالبية المنازل السعودية تكاد تكون خالية من الذهب جراء اتجاه الكثيرين إلى بيعه بعد ارتفاع السعر في الفترة الماضية. وأضاف ل«الحياة» أن جودة الذهب المحلي هي الأفضل في الخليج، مرجعاً ذلك إلى الرقابة الذاتية والحكومية، إذ تعتبر السعودية الأولى في مراقبة المعيار، لافتاً إلى أن الذهب السعودي يسوّق في بلدان أميركا الشمالية وإيطاليا وفرنسا وبلجيكا وإسبانيا، وأن أكثر المناطق شراء للذهب هي المنطقة الوسطى، تليها المنطقة الجنوبية، وتتساوى المنطقتان الشمالية والغربية، في حين أن المنطقة الشرقية هي الأقل طلباً على الذهب على مستوى السعودية. وأشار إلى أن غالبية الذهب المشغول في السعودية هو ذهب محلي الصنع، ويغطي 88 في المئة من إجمالي الذهب في السوق، أما الذهب الخام فغالبيته مستورد، وتقدّر نسبة صفائه ب 99.99 في المئة. وعن استفادة مناجم الذهب السعودية من ارتفاع الأسعار، قال المهنا: «إن استفادة المناجم المحلية ليست كبيرة، لأن كلفة إنتاج الذهب محلياً كبيرة على رغم ارتفاع الأسعار، إلا أنه مع تطور تقنيات معدات استخراج الذهب في المستقبل قد يكون استخراج الذهب محلياً ذا عائد مادي أفضل من الوقت الحالي». وتابع: «استخراج أوقية ذهب يحتاج إلى إزاحة أطنان من الأتربة، كما أن الأجواء الصحراوية للسعودية لا تساعد في اكتشاف كميات ذهب بالشكل المطلوب». وذكر تاجر الذهب مفلح الشلوي أن سعر الذهب حالياً مرتفع في الأسواق العالمية بشكل كبير، وهذا أسهم في إحجام المستهلكين على شراء الذهب بشكل كبير حالياً، وأصبح الاتجاه نحو البيع، وتراجع المبيعات طاول جميع مناطق السعودية، وبالتالي انعكس على المحال العاملة في نشاط الذهب. وأوضح الشلوي أن الكثير من العاملين في مجال الذهب قاموا بتغيير نشاطهم، فلم يعد مغرياً لهم الاستمرار في هذا القطاع، مشيراً إلى أن مبيعات الذهب تأثرت بعوامل أخرى مثل المساهمات العقارية، والخسائر التي طاولت المضاربين في الأسهم. أما تاجر الذهب سعود الفيحان فدعا إلى شراء الذهب في الوقت الحالي، لأنه من المتوقع أن ترتفع أسعاره خلال الأسابيع المقبلة. وأشار إلى أن انخفاض الدولار أثّر في سعر الذهب، إضافة إلى انتقال الكثير من المستثمرين العالميين إلى المضاربة والتجارة بالذهب بدلاً من تجارة العملات، وتخزين كميات منه كملاذ آمن، وأصبح الذهب الخيار الأوحد، إذ يصرف في كل مكان وكل وقت، كما أن أسعاره لا تشهد تذبذباً كبيراً مثل العملات. وقال إن الاتجاه السائد للمستهلكين في الوقت الحالي هو شراء الذهب الأقل وزناً، وكذلك في «العيار»، مشيراً إلى أن البعض أصبح يشتري الفضة ويطليها بالذهب لبقاء اللون المميز للذهب، بدلاً من شراء الذهب بالأسعار التي توصف ب«الفلكية». وأكد أنه على رغم الضرر الذي لحق بصناعة الذهب إلا أن السوق السعودية تبقى الأولى بالنسبة إلى المنطقة العربية مقارنة بعدد السكان. أما المتعامل بالذهب وليد العبيد فيقول إن ارتفاع أسعار المعدن الأصفر وإن كان أسهم في رفع قيمة موجودات تجار المعدن الكبار بنسبة تزيد على 400 في المئة، إلا أن ذلك لم يسعد تجار التجزئة الذين يفضلونه منخفضاً، مشيراً إلى أنه ليس المهم أن يزيد رأس المال بقدر تشغيل وتدوير هذا المال. وشدد على أن الموجة الأخيرة من ارتفاع أسعار الذهب أضرّت بتجار التجزئة، إذ يكاد الطلب يكون متوقفاً تماماً. غير أنه أشار إلى وجود طلب على السبائك الخام من رجال أعمال ومستثمرين، وهذا من أسباب ارتفاع سعر الذهب عالمياً، ويعزز ذلك اتجاه عدد من الدول إلى تعزيز مخزوناتها من الذهب مثل الصين والهند وغيرهما. ولفت إلى أن استمرار صعود سعر المعدن الأصفر دفع الكثيرين من صغار التجار إلى الخروج من السوق، ويحدث حالياً نوع من «الغربلة»، سيكون البقاء فيها للأقوى، مؤكداً أن معظم التجار الصغار يعتمدون على التمويل البنكي، وهؤلاء يجدون ضغوطاً من البنوك لسداد ديونهم. وتوقّع تحوّل البعض الى أنشطة تجارية أخرى، ففي الوقت الحالي العرض أكبر من الطلب، ومن يريد التخلص من بضاعته لا يجد مشترين، وهناك حاجة إلى السيولة، لأن التاجر يحتاج إلى أموال لسداد الرواتب والإيجارات وغيرها من الالتزامات، وعدم الإقبال على الشراء يعود إلى الحذر السائد حالياً بين تجار التجزئة.