بدعم دولي استطاعت مصر إنجاز اكثر من 5 كلم من جدار طوله 10 كيلومترات على طول حدودها مع قطاع غزة، وهدف الجدار هو وقف الإمدادات التي تتم عبر شبكة الأنفاق التي يستخدمها الفلسطينيون لنقل البضائع والأسلحة وغيرها، وكانت قضية هذه الأنفاق (عددها اكثر من 150 نفقاً) طفت على السطح إبان الحرب الإسرائيلية على غزة. مشكلة مصر مع الجدار، او الساتر الحديد، كما تسميه حركة "حماس"، ليست مشروعية بنائه أو عدمها، فمن حق مصر ان تتخذ الإجراءات التي تراها مناسبة لحماية حدودها وأمنها، لكن مشكلة مصر مع الجدار الجديد، تكمن في عجز الحكومة المصرية، حتى الآن، في الدفاع عن موقفها، وهي مارست إنكاراً غير مباشر لوجود الجدار، خلال الأسابيع الماضية، وكأنها تقوم بعمل غير قانوني، فضلاً عن أن أنباء البدء في بنائه نقلت عبر صحف أميركية وإسرائيلية وفرنسية. لا شك في ان البعد السياسي والإنساني أهم وأخطر من البعد الأمني، فعلى رغم الفوائد الأمنية لجدار غزة التي تتحدث عنها الحكومة المصرية، الا ان مضاره السياسية لا توازي الدور الأمني المأمول منه، فهذا الجدار سيزيد من توتير الأجواء بين حركة "حماس" والحكومة المصرية، ويضاعف من تشويه صورة مصر الرسمية في أوساط الفلسطينيين في قطاع غزة ، فضلاً عن انه سيتحول، وهذا هو المهم، الى مسوغ لتبرير بناء جدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل في الضفة الغربية، وسيكون من الصعب على مصر اتخاذ موقف رافض للجدار الإسرائيلي في المستقبل. ولعل الدعم والترحيب اللذين وجدهما الجدار المصري لدى إسرائيل وواشنطن وباريس مردهما الى ان جدار رفح يشكل حماية سياسية وقانونية للجدار الإسرائيلي. الأكيد ان هناك حالاً من التحريض في المنطقة على بناء الجدران لحماية الحدود، ومن يتأمل أوضاع الحدود بين البلاد العربية سيجد ان ظاهرة بناء الجدران أصبحت الحل الأمثل بين اكثر من دولة، وهي ظاهرة خطيرة. وإذا استمر العرب في قبول فكرة الجدران، فإنهم سيكرسون فكرة تفتيت المنطقة، وإيجاد حال من العزلة بين دولها، وتحديد الحركة، وإضعاف التفاعل بين شعوب المنطقة، فضلاً عن ان استشراء ظاهرة الجدران على حدود الدول العربية سيجعل من جدار الفصل العنصري الإسرائيلي حقاً مكتسباً لإسرائيل.