قبل أسابيع من موعد فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في السودان المقررة في نيسان (أبريل) المقبل، لا تزال القوى السياسية الرئيسة في البلاد لم تحدد موقفها بالمشاركة أو المقاطعة. وبات مرجحاً عدم تحالف قوى المعارضة في لائحة واحدة لمواجهة الرئيس عمر البشير وحزبه، ودخلت تلك القوى في تقويم داخلي للأوضاع، ويُنتظر أن تكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد خياراتها. ولم يستبعد زعيم «حزب الأمة» الصادق المهدي حدوث مفاجآت في الانتخابات، مؤكداً أن حزبه «سيكتسحها على المستويات كافة متى ما جاءت حرة ونزيهة»، مشيراً إلى ضعف «القوى الجديدة» التي طرحت نفسها بديلاً للقوى التاريخية في البلاد. وقال المهدي ل «الحياة» إن حزبه رصد 20 نوعاً من المخالفات التي صاحبت مرحلة تسجيل الناخبين، رأى أنها يمكن أن تثير الشكوك في نزاهة الانتخابات ما لم تعالج. وأضاف أن مؤسسات الحزب فرغت من وضع آليات الترشيح على المستويات كافة، ولم يتبق إلا إعلان المرشحين وفق الترتيبات التنظيمية، عدا الرئاسة التي لم تحدد آلية لحسمها. ورأى أن الحديث عن تحالفات «سابق لأوانه» ما لم تحسم آليات الانتخابات وضمان إجرائها في كل أنحاء البلاد، مؤكداً أن حزبه لن يشارك في «طبخة» لتمديد عمر «حزب المؤتمر الوطني» الحاكم في السلطة. ودعا إلى «لقاء قمة» بين ثمانية من أحزاب المعارضة والحزب الحاكم للاتفاق على القضايا المرتبطة بالانتخابات، خصوصاً أن «أي انتخابات مشكوك في نزاهتها ستهيئ أجواء للعنف». وبدا المهدي مطمئناً إلى موقف حزبه في الانتخابات التي قال إنه سيخوضها بسجل «نضالي وتاريخي وفكري وعطاء عظيم ومستمر ومتجدد في الساحة السياسية». واعترف بحدوث تغييرات في الخريطة السياسية والاجتماعية في البلاد، لكنه قال إن حزبه «استوعب هذه التغييرات من خلال طروحاته واهتمامه بقضايا المرأة والشباب، ومعالجة الاتجاهات الجهوية والقبلية التي برزت أخيراً». واعتبر أن حركات دارفور التي نشأت في مناطق نفوذ حزبه في غرب البلاد «مصيرها أن تتفاهم» معه، مبيناً أن هذه الحركات «نجحت في طرح أهداف، لكنها أخطأت في الوسيلة، وفشلت في الممارسة السياسية المدنية، وأصيبت بداء الانقسامات والتشظي». وقلل من الانشقاقات الخمسة التي شهدها حزبه، معتبراً أن «التسمي باسم حزب الأمة نوع من التضليل». ووصف الأحزاب التي تشكلت من رحم هذه الانشقاقات بأنها «فقاعات» تمثل أفراداً، «ومع ذلك، فإن الباب مفتوح أمامهم للعودة كأفراد وليس كفصائل». من جهته، اتهم «الحزب الاتحادي الديموقراطي» بزعامة محمد عثمان الميرغني مفوضية الانتخابية بمخالفة وانتهاك قانون الانتخابات، ورهن مشاركته في المنافسة من عدمها برد المفوضية على مذكرة سلمها لها تشمل تلك المخالفات والانتهاكات. وأعلن في الوقت نفسه رفضه التام لقوانين استفتاء الجنوب والأمن الوطني والنقابات. وأكد رئيس القطاع السياسي للحزب طه علي البشير ونائبه علي أحمد السيد ومسؤول ملف الانتخابات في الحزب البخاري عبدالله الجعلي في مؤتمر صحافي عقدوه أمس استعداد حزبهم لخوض الانتخابات المقبلة «متى ما توافرت شروط النزاهة والحرية». وقال طه البشير إن «واقع تطور الأحداث يؤكد بوضوح أن بقاء السودان موحداً أصبح في مهب الريح... قضايا الوطن الاستراتيجية تهم كل السودانيين، وحصرها بين شريكين لم يفض إلى حلول، بل أدى إلى تعميق الخلافات وفتح الأبواب أمام تدويل القضايا والتدخل الأجنبي». ورأى أن «الأزمات الوطنية لا يمكن إيجاد حلول لها إلا عبر الحوار الوطني الجاد بين الأحزاب والتنظيمات السياسية كافة». وكشف الجعلي أن حزبه سلم مفوضية الانتخابات مذكرة الأسبوع الماضي «حددت المخالفات التي شهدتها عملية تسجيل الناخبين». ورأى أن المفوضية «جانبها التوفيق» في تدبير العملية، موضحاً أن «الجداول الزمنية لم تكن ثابتة، ومراكز التسجيل لم تكن ملائمة للسواد الأعظم من المواطنين». ورهن مشاركة حزبه في الانتخابات بتسلم رد المفوضية على المذكرة وترك الباب موارباً أمام المشاركة أو المقاطعة أو مساندة طرف آخر. لكن السكرتير العام ل «الحزب الشيوعي» محمد إبراهيم نقد توقع إجراء الانتخابات في «جو ملائم، وبنسبة مشاركة عالية». واستبعد إقامة تحالف سياسي بين أحزاب المعارضة لخوض الانتخابات، مرجحاً التنسيق في بعض الدوائر. وقال نقد ل «الحياة» إن تحالف المعارضة الحالي «اتفق على نقاط جوهرية عدة، لكن خوض الانتخابات لم يكن من بينها»، غير أنه لم يستبعد حدوث تنسيق بين أحزاب في دوائر انتخابية، لكنه «سيكون محدوداً». وعزا ذلك إلى رغبة الأحزاب في معرفة حجمها الحقيقي وفاعليتها في الشارع. وأكد جاهزية حزبه لخوض الانتخابات، مشيراً إلى أن لجنته المركزية ستجتمع قريباً لاعتماد أسماء مرشحي الحزب في كل المستويات. وأوضح أن «الشيوعي» سيخوض الانتخابات في شمال البلاد وجنوبها، لكنه قد لا يدفع بمرشحين في كل الدوائر بسبب ارتفاع كلفة العملية السياسية. وشكك نقد في جماهيرية الحزب الحاكم، وقال إنه «يعتمد على السلطة والمال... ولن يفوز إلا بالتزوير». واستبعد حدوث عنف منظم يصاحب الانتخابات، «لكن قد تشهد توترات وتجاوزات هنا وهناك». ورأى أن الانتخابات المقبلة «لن تحدث تغييراً في الخريطة السياسية، لكنها ستكون تعبيراً عن هذه الخريطة والحراك السياسي والاجتماعي». واعتبر أن أي محاولة من متمردي دارفور لعرقلة الانتخابات ستكون «حماقة سياسية غير مبررة».