في مطار هواري بومدين الدولي في العاصمة الجزائرية، حطت خلال الأيام الماضية عشرات الطائرات على متنها مئات السياح من أوروبا، في مشهد غير مألوف في البلد الذي يسعى إلى إحياء قطاع السياحة الذي تضرر في شدة من جراء الأزمة الأمنية وما زال يعاني بسبب إحجام السائحين خوفاً من اعتداءات «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي». ونقل معظم السائحين الذين وصلوا خلال موسم أعياد الميلاد إلى مناطق صحراوية، أبرزها تمنراست في أقصى الجنوب وجانت على الحدود مع ليبيا وتيميمون في أقصى الجنوب الغربي، إذ تعول السلطات على سياحة السفاري والصحراء لجذب أكبر عدد ممكن من السياح. وتأمل الجزائر في أن يكون العام 2010 بداية لنهضة السياحة الصحراوية، بعد أعوام من العزوف عنها لأسباب أمنية بحتة. ونظمت وزارة السياحة مئات الرحلات المباشرة من مطارات أوروبية إلى أقصى الجنوبالجزائري، وأخرى عبر مطار العاصمة حيث تتكفل الخطوط الجوية الجزائرية بإكمال الرحلات نحو وجهات ترى السلطات أنها موضع جذب يمهد لنهضة سياحية لا تقل قيمة عن تونس والمغرب. وتشير مصادر في مطار هواري بومدين إلى أن السياح الفرنسيين والألمان هم الأكثر إقبالاً على سياحة المناطق الصحراوية هذا العام، في حين يبقى الطلب على السياحة الجزائرية من دول عربية ضعيفاً. وأطلقت وزارة السياحة تظاهرات فنية تزامناً مع أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة. ونقلت مئات الصحافيين الجزائريين والأجانب إلى تيميمون وتمنراست، لعرض برنامجها لإنجاز 50 فندقاً ونزلاً جديداً يديرها القطاع الخاص، في إطار مسعاها لجعل السياحة المساهم الثاني في الدخل القومي بعد الصناعات المرتبطة بالنفط والغاز. وتخشى الحكومة من عدم استقرار سوق النفط والغاز، كما أن صندوق النقد الدولي أصدر تقريراً عن الجزائر قبل شهرين لفت فيه إلى أن هبوط أسعار النفط الناجم عن الانكماش العالمي «أظهر الحاجة إلى تنويع مصادر الاقتصاد، بما في ذلك تقليل اعتماد الدولة على الموارد العضوية». ودعت وزارة السياحة هذا العام أميرة من العائلة الحاكمة في بريطانيا إلى قضاء عطلة رأس السنة الميلادية في الجزائر، بعدما دعت العام الماضي ملك إسبانيا لزيارة جانت في أقصى الجنوب رداً على عملية مسلحة نفذتها عناصر تتبع «القاعدة» المغاربية في مطار المدينة القريبة من ليبيا. وهي تراهن، كما قال وزير السياحة شريف رحماني، على «إعطاء صورة حقيقية عن الوضع الأمني... فالجزائر ليست كما يراها الناس من الخارج. الوضع تغير تماماً، لكن تبليغ الرسالة يحتاج عملاً طويلاً». ويظل الرهان الأمني أبرز التحديات التي تواجه الجزائريين في محاولاتهم للنهوض بقطاع واعد لا يستوعب حالياً سوى أقل من مليوني سائح سنوياً، في حين يستقبل المغرب ثمانية ملايين وتونس سبعة ملايين، لذلك تبدي الأجهزة الأمنية اهتماماً بتأمين الساحل الصحراوي، إذ لا يفصل ولاية تمنراست الأكثر جذباً للأجانب إلا مئات الكيلومترات عن أول مدينة في الشمال المالي حيث شبكات مسلحة تنشط مع «القاعدة» في اصطياد السياح الأجانب عبر الحدود. وأطلق رحماني تظاهرات عدة متزامنة في ثلاث مدن يبدو أنها رهان السياحة مستقبلاً. وأشرفت «مؤسسة صحارى العالم» التي يترأسها الوزير على تنظيم مهرجان ضخم في تيميمون جنوب غربي البلاد دعي إليه أجانب أكثر من الجزائريين. ولا تبدو السياحة الداخلية مرشحة للازدهار قريباً، فالجزائريون عازفون عن التنقل بين ولايات البلاد لأسباب تتعلق بالتكاليف الباهظة. ويقدر مختصون أن السياحة الداخلية في الجزائر هي الأعلى كلفة في شمال أفريقيا، لذلك يفضل معظم الجزائريين قضاء عطلهم في تونس، فيما تسافر أقلية منهم إلى أوروبا.