كونسو (إثيوبيا) - أ ف ب - ترقص نساء بتنانير قطنية فضفاضة ذات لون برتقالي. يتمايلنَ بأكتافهن لشحذ حماسة الرجال الذين يسرعون في الانضمام الى حلقة الرقص، واضعين ريشة بيضاء على رؤوسهم وفي أيديهم عِصي. تكرم هذه الرقصة القبلية أبطال إتنية كونسو الصغيرة التي استقرت قبل 700 سنة في منطقة نائية في جنوب - غرب إثيوبيا، تبعد أكثر من 12 ساعة عن أديس أبابا بالسيارة عبر طرقات غير معبدة. نظمت الحفلة لمناسبة افتتاح متحف محلي متخصص للحفاظ على تراث هذه القومية وثقافتها وعلى مسلات «واكا» الجنائزية المنحوتة في الخشب والتي توضع على مدافن زعماء قبائل كونسو. وكانت هذه القطع النادرة لفترة طويلة فريسة سهلة للمهربين وناهبي القبور، بهدف بيعها خارج حدود إثيوبيا مقابل آلاف الدولارات. ونجحت الجمارك الإثيوبية منذ عام 1996 بوضع يدها على أكثر من مئتي مسلّة، طولها يضاهي طول الإنسان. بيد أنها لم تتوافر لها العناية اللازمة للحفاظ عليها الى أن مرّ سفير فرنسي في المنطقة. وقال ستيفان غومبيرتز سفير فرنسا السابق في إثيوبيا الذي يشغل حالياً منصب مدير دائرة افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية: «كان الأمر محض صدفة، كنت عائداً برفقة زملاء من موقع أثري». وتابع: «قمنا بزيارة قرى تنتمي الى إتنية كونسو وزرنا المكتب الثقافي المحلي ومركز الشرطة حيث يحتفظ بمسلات «واكا» التي سرقت عن المدافن واسترجعتها الجمارك». وأضاف: «سألنا مسؤولون في إتنية كونسو ان كان في وسعنا مساعدتهم في بناء متحف من اجل حماية هذه المسلات»، مشيراً الى المساعدة التي قدّمها متحف الفنون القديمة في باريس. وتقضي التقاليد بوضع مسلات «واكا» على مدافن زعماء قبائل كونسو او ابطال هذه الإتنية الذين تفوقوا في الصيد او الحرب. وتنحت مسلات «واكا» على خشب صلب كخشب شجرة الأكاسيا ويمكن ان تعيش 200 سنة. بيد انها تفقد قيمتها ما ان تنزع من مكانها او يصيبها العفن. ويعتقد الكونسو ان روح الميت تغادر المكان عندما تسرق المسلة. واوضح دينوت كوسيا شنكري، أحد وجهاء إتنية كونسو انه «لا يمكن استبدالها لأننا نعتقد بأن الإنسان يموت مرة واحدة». والمتحف مجمع فسيح مبني بوحي من ثقافة اتنية كونسو المعروفة بالأسوار التي تحيط قراها والمدرجات المزروعة فضلاً عن بيوت «توكول» وهي أكواخ دائرية سطحها مصنوع من القش. وقال المهندس المعماري تيري بيغا مصمم المتحف الذي قد يستغرق بناؤه ثلاث سنوات: «رأيت من الضروري ان أستوحي من كل التقاليد المحلية كي يشعر أفراد إتنية كونسو ان المبنى جزء من حضارتهم ويشاركون في بنائه». وتصل الكلفة الاجمالية لبناء المتحف الى 120 الف يورو، تمول فرنسا ثلثها فيما تتولى اتنية كونسو باقي التكاليف. وأعرب كالا جيسان ولديداويت احد وجهاء قبيلة كونسو الذي يعتمر عمامة من القطن الأزرق عن فرحه ببناء هذا المتحف، لا سيما ان عدد «مسلات «واكا» يتناقص شيئاً فشيئاً». وأوضح ان السبب يعود الى ان «مسلات «واكا» تسرق والأبطال انتهوا، فلم تعد من حيوانات مفترسة او أعداء لمصارعتهم وقتلهم». وتابع: «تكمن اهمية هذا المتحف في الحفاظ على تقاليدنا القديمة وتمكين اجيال المستقبل من رؤية الواكا وفهم تقاليدنا». وأضاف: «على رغم ان مسلات «واكا» لم تعد في مكانها الطبيعي الا ان رمزية معانيها ما برحت كبيرة، وستحظى داخل المتحف بعناية خاصة». واشار محمود غاس وزير الثقافة والسياحة الإثيوبي الى ان «المتحف ليس الا خطوة اولى من اجل تحقيق هدف اكبر وهو التعريف بثقافة اتنية كونسو عالمياً وإدارجها على قائمة الإرث العالمي من قبل ال «يونيسكو».