لست ملماً بالحركة الفنية الموسيقية، لكن الملمين بها ذرفوا دموعاً ساخنة الاسبوع الماضي على رحيل احد اساطين الفن الشعبي السعودي وهو الفنان العريق حمد الطيار الذي اثرى الذائقة الشعبية كثيراً، وكما غنى عن قلب رحل وهو «طاوي الشوق» فقد رحل وهو يطوي شوقاً لتكريم ابناء مهنته، وشوقاً لرصد بعض ما قدمه واستفاد منه الكثير من الملحنين والمطربين دون اعطائه حقه الادبي والمالي. ما احيط به من الموضوع كان مصدره كلاً من الزميل الصحافي المتخصص في النقد الفني لعقود من الزمن يحيى مفرح زريقان، والفنان «شبه المعتزل» والعاتب على الساحة الفنية تركي العبدالله اللذين تحدثا مطولاً في مجلس ثقافي حضرته عن تجربة الرواد الشعبيين وبالذات الراحل حمد الطيار، لالمام الأول بتفاصيل الحركة الفنية السعودية، واقتراب الثاني كثيراً من مدرسة حمد الطيار وامتنانه انها كانت ملهمة لبعض اغانيه والحانه. الاشكال كما لخصاه ان حمد الطيار بلا جدال قدم كثيراً من الايقاعات الشعبية السعودية المبتكرة بالفطرة والموهبة، وارتكزت عليها في ما بعد عشرات ان لم يكن مئات الالحان والاعمال اما اقتباساً او سرقة شبه علنية يفهمها ويفك رموزها الخبراء المتخصصون. المؤلم لهما، وبالتأكيد لنا، ان التوثيق لحقوق المبدعين لم يكن حاضراً، وان جهات مثل جمعيات الثقافة والفنون لم تحرك ساكناً، وهو ألم مشروع اذا عرفنا ان كثيراً من المبدعين في شتى المجالات يقعون ضحية الاهمال نفسه. الغريب ان تتبنى دول خليجية مجاورة تكريم رواد الفن الشعبي، بل وتنفق المال لجمع وتوثيق انتاجهم في نسخه الاصلية، ليستفيد منه الدارسون والموهوبون القادمون في بلدانهم، وهذا الاهتمام لم يعبر الحدود الينا الا لأن هناك ما يستحق اولاً، ثم لأن هناك قناعة بان هذه المواد، وهؤلاء المبدعين سيكون الاهتمام بتراثهم ثروة في المستقبل يمكن البحث في كيفية استثمارها لاحقاً. الجحود عندما يأتي من الغرباء يوجع قليلاً، لكنه عندما يأتي ممن استفاد منك وتعلم واقتبس، ثم تجرأ وسرق فانه يكون ألماً بذاته يضاف الى آلام المرض، والفقر، والهجر التي تعاني منها لترحل يا حمد الطيار وان تطوي مع الشوق الحسرة والدموع التي وددت لو أخبرك بانني رأيتها في اعين بعض محبيك وهم يتحدثون عنك واوضاعك قبل مماتك وعلى رأسهم الزريقان والعبدالله. الموروث الشعبي يشمل مناحي كثيرة يتقاطع فيها الثقافي مع الفني بل والاجتماعي والاقتصادي، ولأن بناء مؤسسات تُعنى بالابداع واجه «تجميداً» غير مبرر، وما يمكن تسميته العزلة الاجتماعية في فترة «فكرية» ما، فان الوقت حان لأن نتعامل مع الابداع اياً كان دونما تأثر بمريديه او معارضيه. [email protected]