بعد معاناة طويلة مع المرض وصبر واحتساب توفي الفنان الشعبي الشهير حمد الطيار الأسبوع الماضي، رحمه الله تعالى وغفر لنا وله. يمثل «أبو ناصر» نموذجاً للفنان الشعبي البسيط فنان بالفطرة، شعبيته طاغية في أرجاء الخليج وتاريخه حافل. أيضاً هو نموذج لتهميش الفن الشعبي في الإعلام، خصوصاً الرسمي. وللإعلام نظرة عجيبة إلى هذا الفن تشم منها رائحة الدونية، لذلك تم استنساخ و «استقدام» الفن الشعبي السعودي في دول عدة، وصارت أرشيفات خليجية أكثر ثراء لموروث الفن الشعبي السعودي مع إشارة إلى تشارك وتمازج بينهما. حمد الطيار لم يكن مطرباً فقط بل كان ملحناً لا يشق له غبار، ومن المعروف أن عدداً من المطربين «الأكثر شهرة وثراء» لطشوا من ألحانه ما لطشوا وبرزوا على أكتافه لطيبة معروفة عنه، وعندما كان يُسأل أبو ناصر عن ذلك كان يكتفي بابتسامة. قبل سنوات اتصلت به، وأنا ابحث عن لحن شعبي لفيلم الكرتون «جمول»، كانت الفكرة إنتاج شخصية كرتونية محلية، التقط «أبو ناصر» أهزوجة لأطفال «أيام زمان» ليصنع منها مقدمة جميلة سلسة. إلا انه بلغ الذروة في «رمل الضلوع»، وهي قصيدة رائعة للشاعر المتألق نايف صقر، اكتملت لتصل إلى شريحة أعرض بلحن وإداء المرحوم. كانت مناجاة جميلة مؤثرة صاغها نايف بإحساس فياض وعبر عنه حمد الإنسان، وهي لم تحصل على حقها الإعلامي، لأن حمد الطيار فنان لا يجيد التسويق، وهو مهم في كل عمل. التسويق - كما يلاحظ - قد يرفع أنصاف المواهب وأرباعها إلى مصاف النجوم في أي مجال، ولك في جهاز التلفزيون خير دليل دامغ. تمنيت وقتها أن يركز «أبو ناصر» على هذا الاتجاه، لكن ندرة النصوص المعبرة كانت عائقاً. اعتقد أننا في حاجة إلى قصائد مغناة مثل «رمل الضلوع»، وكل ما يدعو ويرسخ ويقدر الأخلاق والصفات الطيبة. (سجد قلبي على رمل الضلوع وهزه التنهيد وأنا في قلبي خيام الندم والخوف منصوبة). مطلع «رمل الضلوع» وفيها اعتراف أمام الخالق العظيم من المخلوق الضعيف يعبر عن ضآلته وخضوعه وأمله الكبير باللطيف الخبير. هناك مطلب - ولو جاء متأخراً - لتكريم الفنان حمد الطيار ووزارة الإعلام مسؤولة عن ذلك، ولا أخال الدكتور عبدالعزيز خوجة وهو الشاعر المرهف إلا وأن يسعى إلى تحقيق ذلك. ولابد من إشادة وإشارة إلى رجل كان الصديق الوفي لأبي ناصر، وقف معه في مرضه وقفة مشهودة بوفاء نادر، سافر معه للعلاج في الولاياتالمتحدة ومكث إلى جواره هناك ثلاثة أشهر، وكان قبل هذا معنياً به في المستشفى التخصصي، وهو الأستاذ الخلوق صالح الكعيد جعل الله تعالى ذلك في ميزان حسناته، واعتذر له لأني لم استأذنه في كشف ذلك، لكن هناك أموراً لا يجب الاستئذان فيها. رحم الله تعالى حمد الطيار وغفر لنا وله وألهم أسرته ومحبيه الصبر والسلوان. www.asuwayed.com