على رغم التذمر الذي يشتهر به الفرنسيون، يبدو الباريسيون سعداء بالإقامة في مدينتهم، حتى ولو كانت مساكنهم ضيقة ولا تتوافر فيها كل شروط الراحة. فقد كشف تقرير رسمي أن متوسط المساحة التي يشغلها الباريسي لا يتجاوز 31 متراً مربعاً، بما في ذلك المطبخ والحمام، ما يجعل المساحة الفعلية للإقامة والنوم نحو 22 متراً مربعاً، في مقابل 42 متراً مربعاً للمقيم بعيداً عن العاصمة وضواحيها. هناك تفسيران لضيق المساحة السكنية للباريسيين: الأول وجود عدد كبير من المساكن المؤلفة من غرفة واحدة ويسمونها «استوديو»، وهي تشكل نسبة خمس المساكن في العاصمة. والثاني هو غلاء الشقق، ذلك أن متوسط ثمن المتر المربع في باريس يبلغ 7300 يورو، لكنه يرتفع في بعض الدوائر، مثل السادسة والسابعة، إلى 12500 يورو، فيما يبلغ هذا المتوسط 8200 يورو في الدائرة 16 التي تعتبر أكثر الدوائر جذباً للباحثين عن سكن مريح. وتنتشر في مباني باريس مساكن صغيرة تسمى»غرف الخدم» يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر، وهي تملأ الطبقتين السادسة والسابعة من المباني «الهوسمانية»، نسبة إلى البارون جورج أوجين هوسمان الذي أحدث ثورة عمرانية في باريس أثناء توليه منصب محافظ «منطقة السين» في منتصف القرن التاسع عشر. وقد أصبحت هذه «الميكرو» غرفاً منفصلة كلياً عن الشقق الواسعة، مساكن الطلاب القادمين من الأقاليم، رغم أن مساحة الواحدة منها لا تتجاوز 10 أمتار مربعة، ولا تحتوي على حمام خاص بها بل يتشارك جميع الساكنين في غرف الطابق حماماً واحداً. ويبلغ بدل إيجار «غرفة خادمة» نحو 500 يورو. وعلى رغم أن القانون الفرنسي يحظّر تأجير مسكن تقل مساحته عن 9 أمتار مربعة، فإن «غرف خدم» كثيرة لا تستجيب لهذا الشرط إذ تقل مساحة الواحدة منها عن 9 أمتار. وعلى عكس لندن التي تضم مساكنها نسبة كبيرة من المنازل المستقلة مع حدائقها الصغيرة، فإن 99 في المئة من مساكن باريس هي شقق يبلغ عددها 1,2 مليون شقة، متوسط مساحة الواحدة منها 59 متراً مربعاً ويشغلها شخصان. ويلفت التقرير الحكومي إلى أن 25 في المئة من مساكن باريس ضيقة على ساكنيها، بينما تهبط هذه النسبة في الأقاليم إلى 6 في المئة.