يقتصر الشطر الذي يعالجه محرك البحث غوغل من جملة المادة التي تحملها شبكة الإنترنت على 0.03 في المئة. وتبعث ضآلة الرقم على الدهشة والإنكار. فالبحث بواسطة غوغل يفضي الى آلاف الأجوبة المقترحة، والى أجوبة منتخبة ومصنفة أولى، هذا البحث قاعدته أو معينه ليس الا الحصة الضئيلة من المادة المحمّلة على الشبكة، العنكبوتية المترامية. والعالم الافتراضي هذا يتولى مستكشفون مختصون ارتياده، وتعرف مسالكه. وهم يتفقون على مسألة هي أن الجزء المعروف والأليف من العالم الافتراضي ليس إلا قمة الجليد الظاهرة. وتحت صفحة المياه عالم فسيح، وأعماق بعيدة الغور ومظلمة. فثمة «قيعان شبكة» تحت الشبكة. وقلما تبلغ محركات البحث، أو غواصاتنا، هذه القيعان. وبلوغها يفترض استعمال فرينت. وفرينت برنامج عام ومجاني، صنعه قبل 14 عاماً شاب ايرلندي يعد شهادة دكتوراه في الذكاء الاصطناعي. ويقتضي إدخال البرنامج دقيقتين لا غير. ويتيح الملاحة على أمواج الشبكة، على أشكال الملاحة: الثرثرة أو المحادثة، وتبادل الملفات، وإنشاء مواقع محصنة من التعرف. وسبق تحميله مليوني مرة. وفي 2008، زادت سرعته. وهو يضمن الإغفال، ويسكت عن أن أحداً يستعمل فرينت! وهو أنشأ موقعاً يُسأل عن مستوى الأمن المأمول. والمستوى الأقصى من الأمن يصحبه التعليق التالي: «أوله الموصول الى معلومات قد تؤدي الى توقيفي أو سجني أو أسوأ»، والذين يرفعون راية هذا التخفي يبلغون ما يسمى «الشبكة العميقة»، «ظلامنت» أو «الشبكة الخفية». وهناك يلوذ المنشقون الإيرانيون أو الصينيون، وقراصنة الأفلام السينمائية، وأنصار التيارات المتطرفة السياسية أو الجنسية أو كراسات صناعة المتغيرات الأسطورية. وهي حجارة يقلبها المستعمل فتقوده الى كوكبة هاويات لا تحصى. والجريمة الإلكترونية - ضروب الفيروس وقرصنات مصرفية وانتحال هويات - تنشر على صور متعاظمة التعقيد والحذلقة. وأبسط الصور «العنوان الراحل»: وهو عبارة عن مواقع متروكة ومهجورة، تركها الجيش أحياناً أو الشرطة، تستعمل في عمليات خاطفة قبل العودة في اللحظة التالية الى الإغفال. وهذه الطريقة تتوسلها منظمات إلكترونية ومافياوية معاً، وتتقنها إتقاناً عالياً. والجواب البوليس جاهز. وهو قريب من معالجة الجنات المالية والضريبية التي تلجأ اليها شركات وعصابات معروفة معظمها يلوذ بالجزر النائية. وترمي المعالجة الى شفافية مركز مراقبة في وسط ساحة منبسطة. وذهب ناطق باسم شرطة الجريمة الإلكترونية البريطانية المركزية الى القول: «عندما تستعملون الإنترنت يبقى أثر الاستعمال مدوناً ومحفوظاً في موضع ما». فما الذي يثير الخوف والقلق العظيمين، أهو زوايا الشبكة العميقة أم إمكان تسليط الضوء على أدق وريد في ثنايا العالم الافتراضي الحميمة والقصية؟ * معلق، عن «لكسبريس» الفرنسية، 10/12/2009، إعداد و.ش.