استعرضت ندوة "دور القطاع المصرفي في التنمية الاقتصادية في ظل الأزمة العالمية"، والتي قدمها كبير الاقتصاديين في البنك الأهلي التجاري الدكتور سعيد بن عبدالله الشيخ، وهي إحدى الندوات التي نظّمها منتدى الرياض الاقتصادي في دورته الرابعة (الحالية)، عدداً من المحاور ذات العلاقة بالأزمة المالية العالمية ودور القطاع المصرفي. وبيّن المحور الأول وهو "دور المصارف في التنمية الاقتصادية"، ارتفاع نسبة أصول البنوك إلى الناتج المحلي الإجمالي من 64 إلى 74 في المئة خلال السنتين الماضيتين. وأشارت الندوة الى أن ذلك يعكس الدور المتنامي للبنوك فى تنمية الاقتصاد غير النفطي، إلى جانب مساهمة الاكتتابات خلال السنوات الأخيرة فى الحد من الاعتماد على الائتمان لتمويل الاقتصاد. مؤكدة أن هذا التذبذب الحاد للسوق لا يعطي دلالة على المقارنة مع الدول الأخرى، إذ شكّل الائتمان للناتج المحلي نحو 54.3 في المئة للعام الحالي 2009. ولفتت الندوة إلى تضاعف الائتمان مرات عدة لقطاعات الأفراد والتجارة والصناعة والتشييد، وبوتيرة أقل مقارنة ببقية القطاعات ما بين أعوام 2002-2008، ما أسهم فى النمو المطرد للقطاع غير النفطي. وأوضحت أن مساهمة الصناديق الأخرى في التمويل لم تنمُ بمستوى وتيرة نمو الائتمان البنكي، وهي تظل متواضعة بالنظر إلى حجم الاقتصاد الآن مقارنة بعام 2002. ونوهت الندوة إلى ارتفاع صافي الإقراض لصندوق الاستثمارات العامة، وكذلك صندوق التنمية الصناعية خلال عامي 2007 و2008، مؤكدة أنه مع إطلاق المدن الاقتصادية والمشاريع العملاقة ارتفعت مساهمة تمويل البنوك الأجنبية، ومؤسسات ضمان الصادرات خلال السنوات الماضية. وتناول المحور الثانى آثار الأزمة المالية العالمية في المصارف التجارية، وما أبدته مؤسسة النقد العربي السعودي من مرونة كبيرة في إدارة السياسة النقدية، مع ضمان توافّر السيولة منذ بداية الأزمة المالية، كما ارتفعت مخصصات خسائر محفظة الاستثمار، إثر الانكشاف على السوق الأميركية في 2008، وتبعها ارتفاع مخصصات خسائر الائتمان خلال العام الحالي. وكشفت الندوة عن تراجع وتيرة ائتمان القطاع الخاص بحدة خلال العام الحالي، بسبب حذر البنوك، وكذلك انخفاض الطلب، مع إرجاء خطط التوسعة، وتأجيل بعض المشاريع، مبيّنة سعي مؤسسة النقد لتعزيز السيولة بخفض الاحتياطي القانوني، ومعدل الريبو العكسي إلى 0.25 في المئة. وقالت الندوة إنه في أعقاب أزمة بعض بيوتات الأعمال ازداد حذر البنوك، لترتفع الاحتياطات الأخرى بنحو 80 بليون ريال. ونوهت إلى زيادة البنوك التجارية من استثماراتها الأجنبية خلال عام 2009، ما يعكس استمرار التحفظ في الإقراض، على رغم انخفاض صافي الاستثمارات الأجنبية الرسمية. وأشارت إلى أن نسبة القروض إلى الودائع وصلت إلى 95 في المئة في 2008، إلا أنها تراجعت إلى 79 في المئة، ما يعزز الاسقرار الكلي للقطاع البنكي. وكشفت الندوة عن وجود بوادر انتعاش في الائتمان خلال الربع الثالث في قطاعي الخدمات والتجارة، إلا أن تراجع الائتمان ما زال مستمراً في قطاعي الإنشاء والزراعة، مبيّنة أن هناك تراجعاً في وتيرة إقراض القطاع الخاص، كما شهدت جميع القطاعات البنكية الخليجية، تراجعاً وبتفاوت بسيط في ما بينها. وقالت إنه على رغم أن سوق الأسهم السعودية ارتفعت بنسبة 25 في المئة منذ بداية العام، بعد تراجع بنحو 60 في المئة في عام 2008، إلا أنها متدنية مقارنة مع مؤشر الدول الناشئة، وكذلك إصدارات الصكوك والاكتتابات الأولية هي أيضاً تعود للانتعاش، ولكن بوتيرة بسيطة منذ عام 2005، ومع تحسين بيئة الاستثمار استطاعت السعودية اجتذاب الاستثمارات الأجنبية، على رغم الأزمة العالمية في عام 2008. وأشارت الندوة إلى انحسار التمويل الأجنبي في أعقاب الأزمة المالية، ومراجعة جدوى بعض المشاريع، إذ أرجئ ما مقداره 39 بليون دولار خلال عام 2009. وتناول المحور الثالث "تحديات التمويل طويل الأجل" ما شكّلته الودائع، التي تعد المصدر الرئيسي لتمويل البنوك، وهي غالباً قصيرة الأجل، لذا فإن غالبية الإقراض (61 في المئة) تتم أيضاً لأجل قصير، إذ تتركز في قطاع التجارة، وأشارت الندوة الى أن البنوك تجد نفسها تحت ضغط المواءمة ما بين آجال الخصوم وآجال الأصول، من أجل الحد من مخاطر السيولة، على رغم أن حجم الودائع بالعملة الأجنبية، والتي معظمها بالدولار يصل إلى 17 في المئة من إجمالي الودائع، إلا أن آجالها قصيرة جداً، إذ تشمل ودائع للمتاجرة وتحويلات مغادرة ومستندات معتمدية. من جانب آخر، أكد عضو لجنة الاوراق المالية مطشر المرشد في ورقة بعنوان: «دور القطاع المصرفي في التنمية» أن المملكة تعتمد في صادراتها على النفط، وهو ما خفف من آثار الأزمة المالية. مشيرا الى أن الدولة ستستمر في سياسة الانفاق بغض النظر عن العجز والفائض المتوقع. وبين المرشد أن عدداً قليلاً من كبار المستثمرين والصناديق الحكومية تمتلك نسبة كبيرة من القطاع المصرفي منها 3 في المئة تعود المحافظ العائلية. وأوضح المرشد ان التمويل بقسميه الحكومي والمصرفي أدى الى حرمان الشركات الصغيرة والمتوسطة من الحصول على التمويل اللازم، وهو ما أدى الى إخلال في التنمية وعدم توازنها، اضافة الى تمركز المخاطر في تلك الجهات (الحكومية والعائلية)، وبين أنه على رغم انخفاض الفوائد المدفوعة من «ساما» إلا أن البنوك استمرت في ايداع فوائضها المالية لديها، وهذا يدل على عدم الرغبة في الاقراض وقبول المخاطر. ولفت الى ان نسبة حقوق المساهمين الى الاصول في البنوك السعودية يقدر بنحو 13 في المئة، مشير الى ان البنوك تتمتع برسملة ممتازة ومع ذلك فإن مخصصات الديون في البنوك ما زالت تتصاعد والتي تقدر حالياً بنحو 1.5 بليون ريال للربع الأول من العام الحالي و1.9 بليون في الربع الثاني. وطالب المرشد بمشاركة الحكومة والقطاع الخاص في انشاء شركات ذات اغراض خاصة لتمويل المشاريع الوطنية، وكذلك المشاركة في ملكية شركات الأغراض الخاصة، وهو ما سيتيح الفرصة امام المشاريع المختلفة لإصدار الصكوك وطرحها على المستثمرين ، وهذا مما ينشط السوق الثانوية، وقال المرشد إن احجام البنوك المحلية عن الاقراض سيتيح مزيداً من الفرص امام البنوك العالمية والاقليمية للاستحواذ على جزء كبير من الانشطة التمويلية. وبين ان التوجة نحو قنوات تمويلية بديلة كالصكوك وأسهم الملكية الخاصة والاندماجات سيساعد على انتعاش ادوات التمويل الناشئة للسوق المحلية.