تستهوي دارسي القانون الدولي المقارنة بين جدار مصر وجدار إسرائيل. فإذا كان جدار إسرائيل بُني لمصلحتها وأداة لضم الأراضي الفلسطينية، فإن جدار مصر سيبنى هو الآخر لما تراه مصر مصلحتها. وإذا كان جدار إسرائيل دانته محكمة العدل الدولية باعتباره انتهاكاً لالتزامات الدولة المحتلة في الأراضي الفلسطينية، فإن جدار مصر سيدخل مصر في دائرة التجريم القانوني على ما سنفصل في هذه المقالة: أكد الأميركيون والإسرائيليون، على الأقل، أن مصر تُقيم بمساعدة شاملة من الجانب الأميركي جداراً طوله كيلومترات عدة وبعمق 18 متراً على طول الحدود مع قطاع غزة. الجانب المصري لم يؤكد الأمر رسمياً وإن كان اوضح إن الهدف هو منع التهريب بين مصر وغزة. وقال وزير الخارجية المصرية إنه قرار سيادي يعود إلى مصر وأمنها القومي. طبعاً من حق أي دولة أن تفعل ما تشاء داخل حدودها لتأمين نفسها من جيرانها، ولكن القاعدة في القانون الدولي هي أن حق هذه الدولة مقيد بالتزام عدم الإضرار بالدولة المجاورة أو الإقليم المجاور. وعندما يتعلق الأمر بغزة التي يحدها غرباً البحر المحاصر وعلى حدودها الشرقية والجنوبية إسرائيل، فإن الحد الجنوبي لغزة وهو مصر يصبح محط الأمل من الناحية النفسية، ليس فقط لإنقاذ غزة من الوحش الصهيوني، ولكن لإمداد غزة بكل ما يلزم من ضرورات البقاء وهي في الظروف العادية مسألة اقتصادية إذا حسنت النيات وهي مصدر للربح بالنسبة إلى الجانب المصري. ولكن لأسباب كثيرة لا داعي لإقحامها في هذا السياق رأت مصر أن تقيم عازلاً صلباً بينها وبين هؤلاء «الأعداء» الذين يتربصون بها الدوائر ويغيرون عليها من حين لآخر ويسببون لها الإحراج مع إسرائيل، ومصر تظن أن هذا القرار مصدره الشعور المصري الخالص من دون إملاء من أحد. على الجانب الآخر، ولما كان القانون الدولي يعتبر غزة أرضاً محتلة وأن حصارها يعتبر من الجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية لسكانها، إضافة الى كونه جريمة حرب بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، فقد أوجب هذا القانون على الدول الأطراف في الاتفاقية أن تسعى إلى فك الحصار وإنقاذ السكان وكفالة الحد الأدنى من الظروف الإنسانية لبقائهم. وبالنسبة إلى مصر، وبسبب وضعها كمنفذ وحيد لغزة فقد رتب القانون الدولي عليها التزامات أبرزها فتح معبر رفح ومنافذ الحدود الأخرى كافة، لإنقاذ غزة من مخطط الإبادة الإسرائيلي. أما إحكام الحصار من طريق إغلاق المعبر ورفض تمرير المؤن اللازمة، فقد أدى إلى إنشاء الأنفاق التي سيكون إغلاقها جريمة مركبة بامتياز. فالهدف المعلن هو الإمعان في خنق سكان غزة، ومعاقبتهم لذنب لم يرتكبوه وإرهابهم إلى حد الموت لقاء تمسكهم بنظام أحبوه أو كرهوه، اختاروه أو فرض عليهم ليس لأحد التدخل فيه مهما كان رأيه فيه من الناحية السياسية. فالهدف السياسي لا قيمة له لأن القانون يعول على النية الإجرامية وهي إبادة السكان بقطع النظر عن الدوافع. كما أن الجدار نفسه يعني أن مصر تخلت عن التزاماتها القانونية الدولية تجاه سكان غزة المحاصرين وتعاونت مع إسرائيل على إحكام الجريمة. وسبق لريتشارد فولك مقرر مجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان للأراضي المحتلة أن أشار في تقريره حول محرقة غزة إلى جريمة حرمان أهل قطاع من حق الفرار من الهلاك، فما بالنا والجدار يجعل الهلاك محققاً ويزيل كل احتمال لتحقيقه. إن مشاركة مصر مع إسرائيل والولايات المتحدة في حصار سكان غزة مهما كانت مبرراته يضع مصر تماماً في دائرة التجريم، ناهيك عن أن هذه المشاركة هي امتثال مصري لاتفاق أميركي - إسرائيلي سبق لمصر أن اعتبرته تدخلاً سافراً في شؤونها وغضبت لأنه ينفذ على أراضيها من دون مشاركتها ويبدو أن انتهاء ولاية بوش، ومشاركة مصر قد صححا هذا الموقف الذي لن يغفره التاريخ أبداً. * كاتب مصري