جمع الشاعر شوقي بزيع شهادات ومقالات كان كتبها في مناسبات مختلفة وأصدرها في كتاب عنوانه «هجرة الكلمات» (دار الآداب، بيروت). وكتب يقول في المقدمة: «مرة أخرى توقعني غواية النثر في شباكها، ومرة أخرى أعود الى إصدار كتاب نثري بعد مرور سنوات أربع على صدور كتابي الأول «أبواب خلفية». اقول غواية النثر وأنا أعلم أن فكرة الغواية والإغواء قد ارتبطت بالشعر أكثر من أي فن آخر. وقد ترسخت هذه الفكرة منذ عهد الجاهلية حيث قدّر للقصائد الأبرز أن تعلَّق كالتمائم أو المنمنمات على أستار الكعبة وصولاً الى عصر النهضة الذي أعاد الاحتفال بالشعر الى نصابه وباتت له إمارة وعرش وصولجان. كما جاء نزول الآية الكريمة «والشعراء يتبعهم الغاوون»، لا ليثني العرب عن قول الشعر بل ليكسب اللوم خاصية الإغراء، وفق رؤية أبي نواس، وليدفع هذا الفن بعد عقود قليلة من الحذر والخفوت الى مناطق جديدة لم يطأها من قبل. لكن اللافت في هذا السياق أن الإعجاز القرآني الذي خصّ الشعراء، دون الناثرين، بسورة مستقلة لم يتوسل الشعر طريقاً الى التحقق بل تنكَّب لنفسه سبيلاً آخر يرفع النثر الى تخومه القصوى متوئماً بين الحرية والهندسة وبين قوة المعنى وبهاء الإيقاع». وكتب الشاعر أنسي الحاج كلمة نثر عن شوقي بزيع حملها الغلاف الأخير: «في نثر شوقي بزيع حسية تدعو الى مائدتها. تتجوَّل لغته «بخفة الطائر ورشاقة الماء» كتابة حميمة حتى في الموضوعية، حنينية مشبوبة، ينبع إيقاعها من إيقاع الفكر. وعلى رغم تدفقه الحار الزخار، يرمي بدقة نقدية وتشخيصية تصيب هدفها كنسر خطّاف، ولا يشطح وراء غنائياته، بل يجعل قارئه يقبض دوماً على مائدته قبضاً جسدياً. شوقي بزيع اليومي شخص ضاحك ساخر، وفي كتاباته تغيب السخرية والضحك، تغيب على طريقة الماء حين يغور ليلتحق بالنبع، حيث تعود العناصر مضمومة بلا تفرقة، مجدٌ في هذه الكف وعدمٌ في الأخرى. شفاف الشعرين، يرقق البلاغة فتصبح اللغة المعروفة بحرف الضاد المخيف، لغة المتانة اللينة والشجن الأنيس، راقصة مجنحة يخفي إشراقها ألماً كما يُخفي القمر ظلمة السماء. وعندما ينظر في كتاب، ينبش الخبر في ما يرى حتى لكأنه هو مصدره. نثره نساء يستحممن وراء أشجار الذاكرة، حاملات بجمالهن مفاتيح سجونهن، ضاحكات ممن يتلصص عليهن واهماً، كما تضحك الآلهة من مؤمنيها».