أكد اختصاصيون ل«الحياة» أن العقوبة البديلة التعزيرية وسيلة ناجعة لزجر وردع الجاني وجبر الضرر الذي أصاب المجني عليه، مشيدين بالتوجه الذي انتهجه بعض القضاة باستبدال العقوبات التعزيرية من الحبس والجلد إلى أحكام بديلة كحفظ القرآن الكريم أو الإلزام بنظافة المساجد أو العمل لدى الجمعيات الخيرية والمستشفيات. وبرزت في الآونة الأخيرة بعض الأحكام البديلة التي أصدرها قضاة في مناطق مختلفة من السعودية وكان آخرها، إصدار المحكمة العامة في جدة حكماً يقضي بحفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم ضد شاب عربي تم القبض عليه من قبل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتهمة خلوة غير شرعية، فتمت إحالته للمحكمة الجزائية بلائحة دعوى عامة، وحكم عليه بحفظ ثلاثة أجزاء، وتم تصديق الحكم من هيئة التمييز، إضافة إلى الحكم على حدث في محافظة الليث بحفظ جزء تبارك خلال شهر، وغيرها من الأحكام البديلة التي أصدرها قضاه، وجاء أشهرهم في هذا الخصوص قاضي المويه. وأكد المستشار القضائي في مركز الدراسات القضائية ناصر بن زيد بن داود ل«الحياة» أن العقوبات التعزيرية ليس فيها ما هو أصلي وما هو بديل، بل كل ما يحقق الهدف المنشود منه في سبيل تخفيف الجريمة، وردع المجرم، وتهيئته لتغيير حاله من الإجرام إلى الاستقامة «فهو مطلوب ومرغوب». وأضاف ابن داود «أما العقوبات المعمول بها اليوم والمقتصرة على السجن والجلد فلا شك أنها قد تحقق نسبة ضئيلة من الردع في نسبة قليلة من المجرمين والجناة، ولكنها لا تنفك عن نتائج عكسية»، موضحاً أن تمرد المجرم على مجتمعه لقاء حبس حريته مدة طويلة من الزمن، الأمر الذي يجعله يعود إلى جريمته فور خروجه من السجن في حالات ليست بالقليلة، حيث يتعلم الكثير من فنون الإجرام في السجن ويترقب يوم خروجه ليبدأ في انتهاج مجال إجرامي لم يكن يعلمه من قبل، إضافة إلى حرمان أسرته من إشرافه ورعايته والعمل الشريف في سبيل تأمين حاجاتهم، هذا غير أن المجتمع لا يستفيد من المجرم في سجنه، فيخسر الوطن أحد أفراده طيلة مدة سجنه. وأوضح أن السجن يكلف الدولة مبالغ طائلة لقاء الحراسة والإعاشة من دون مردود يعود منه، فالعقوبة إنما حلت بأسرته ومجتمعه وبالدولة التي تخصص جزءاً من موازنتها لمصلحة السجون ونزلائها، وقال: «إن التوجه لابتداع عقوبات غير السجن والجلد أولى من الاستمرار في عقوبات أثبتت فشلها أو خطرها على كثير من السجناء». وأضاف ابن داود «إن العقوبات البديلة لا حصر لها، وهي تختلف باختلاف الأشخاص والجرائم والمجتمعات»، وقال: «من أهمها الغرامات المالية التي يمكن أن تكون ناجعة مع المنحرفين من العمال الوافدين، الذين ولاشك سيحسبون حسابات لدفع الغرامة قبل إقدامهم على ارتكاب المخالفات، فهم جاؤوا لجمع المال وتحويله إلى بلادهم لا لتفريقه وهدره». وتابع: «كذلك الأعمال الخدمية بحسب المهنة التي يتقنها المجرم، فمن كان متقناً لعلم من العلوم أو مهارة من المهارات توجه في حقه إلزامه بتدريس عدد من الساعات مجاناً، ومن كان يتقن حرفة كالسباكة والحدادة والميكانيك والبناء ألزم بتنفيذ أعمال تتناسب مع جرمه لمصالح عامة كالمدارس والمستشفيات، أو دور المستحقين من الفقراء والمساكين». وشدد ابن داود على نجاح العقوبات بالأعمال اليدوية البحتة مثل: تنظيف المقرات والطرقات، وغسيل الممرات والسيارات، وحفر الأساسات والآبار، ونقل البضائع والمعدات وتحميلها وتنزيلها، وفك الأثاث وتركيبه، وزراعة الحدائق والأرصفة وسقايتها، وفرش المساجد وكنسها وتطييبها، وترتيب فصول الدراسة وصيانتها، ونحو ذلك مما فيه خدمة للمجتمع، وإرغام للمذنب بما يمنعه من العودة لجرائمه، ويزجر الآخرين عن مثل فعله»، معتبراً المصادرة وإتلاف الممتلكات بالحرق أو بالتكسير، كما في إتلاف المواد المحظورة من أشرطة وأطعمة مخالفة أمام صاحبها مبالغة في التعزير. وأكد ابن داود أن العقوبات الحديثة تتناسب مع كل الجرائم التعزيرية، ومع كل الفئات العمرية للمجرمين، ومع التاريخ الإجرامي للمجرم، «بخلاف السجن والجلد الذي لا يناسب الأحداث، ولا حديثي العهد بالإجرام وإن كانوا كبار سن، ولا يتناسب مع كثير من المخالفات البسيطة والمتوسطة»، مشيراً إلى أنه ليس الهدف الوحيد من فرض العمل الخدمي على الجاني أن يرتدع عن مخالفته حتى لا يجبر عليه مرة أخرى، بل الهدف منه أن يتواصل مع أفراد من المجتمع، ويتعايش معهم أثناء أداء الأعمال الخدمية، والتي ليست تطوعية في حقه بل إلزامية. وزاد: «من خلال العمل الجماعي وأثناء العمل الاجتماعي وطوال فترة الحفظ والتسميع على قراء الحلقات يضطر الجاني للاحتكاك بأناس هم خير من أصدقاء السوء الدافعين له نحو الإجرام، فيتحسن سلوكه شيئاً فشيئاً، وينشأ هو بتلك العقوبات علاقات جديدة على نحوٍ أفضل من ذي قبل، فتذبل دوافعه الإجرامية وتموت لهذه الأسباب». وأضاف «بعض الأعمال الخدمية هدفها إرغام الجاني على القيام بأعمال لا يقبلها قبل ارتكاب الجريمة، فتكون سبباً في اجتناب تلك المخالفات، حتى لا يوصم ولا يعير بعمل تلك الأعمال التي يحتقرها».