أكدت مصادر مطلعة أن وزير الدفاع رئيس الديوان الملكي المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، أمر بالتحقيق مع العسكري الذي صرح في أحد مواقع التواصل الاجتماعي باستعداده إلى قتل المواطنين في محافظة القطيف، ومحاكمته في حال ثبوت صحة ما نسب له. وفي قرار مشابه أمر وزير التعليم الدكتور عزام الدخيل بالتحقيق في أسباب نقل معلمة من مدرسة مدركة في مكةالمكرمة إلى مكتب تعليم الجموم وتحويلها إلى العمل الإداري، وذلك بعد تردد أنباء تشير إلى أن قرار النقل جاء لأسباب طائفية وعنصرية. وأثارت التغريدة التي كتبها العسكري على موقع «تويتر» ردود فعل كبيرة واستياء من أبناء الوطن، ولقي قرار وزير الدفاع ارتياحاً كبيراً لدى عموم المواطنين، الذين أكدوا على أن المساس بأمن الوطن من خلال إحداث تفرقة طائفية أو عنصرية مجرم من الأنظمة والقوانين، في الوقت الذي لقيت فيه قضية المعلمة في مكةالمكرمة تفاعلاً من مختلف شرائح المجتمع، وأن التجاوزات التي يقوم بها البعض ستلقى العقاب الذي يناسبها مما جعل توجيه الوزير يحظى باهتمام كبير في مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم حرص المملكة على وأد التطرف والعنصرية ونبذها من منطلق قوانينها وتشريعاتها المنظمة كدولة إسلامية، إلا أن تصرفات فردية غير مسؤولة تخترق هذه الأجواء لتحدث زوبعة يتلقاها المجتمع بغضب شديد، وتتلقفها وسائل التواصل الاجتماعي لتجعل منها قصة تحشد خلفها آراء مختلفة، ذات طابع شخصنة وتحليل ذاتي بعيد عن المنطق. وشهدت المملكة ولأعوام عدة محاولات لإدخالها في دوامة الفتنة الطائفية أو القبلية، والتي تحركها العنصرية، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل، ولم تفلح في شق الصف الوطني. ويرى الأمين العام للجمعية السعودية لحقوق الإنسان المستشار القانوني خالد الفاخري أن «المملكة حريصة كل الحرص على تجريم العنصرية والطائفية التي تحاول هدم الوطن بجميع مكوناته، وذلك من خلال الاتفاقات الدولية، إذ إن المملكة عضو فعال في منظمات حقوقية كثيرة». وقال «لو دققنا في أنظمت المملكة الداخلية لوجدناها خير مصداق لنبذ هذا التطرف والتجريم العنصري، فهناك أكثر من 300 نظام ولائحة صدرت بالعموم، ولم تميز بين لون أو شكل أو طائفة، فهي تؤكد على اللحمة الوطنية الواحدة، وتنفيذها ملزم على جميع مكونات هذا الوطن الكبير والمتنوع»، مضيفاً «نحن أمام تساوٍ في المواطنة وفي القوانين والإجراءات المسيرة لها، والمحاولات المتكررة والفاشلة في زرع الفتنة في هذا المجتمع لن تنطلي عليه كل هذه المحاولات، ويجب أن نقف أمامها بقوة وصلابة وقفة واحدة أساسها الوطن الكبير والعظيم». وعن المشهد الذي ضج به موقع «تويتر» والذي ظهر فيه شخص عسكري يهدد القطيف وأطفالها قبل كبارها، ولقي انتشاراً واسعاً ورفضاً كبيراً من متداولين له، قال الفاخري: «هناك توجيهات من وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، للتحقيق مع هذا الشخص وإذا ثبت ما نسب إليه سيلاقي عقابه، وهذا دليل واضح على أن الدولة لا ترضى بمثل هذه الممارسات وتعاقب عليها بحزم وشدة». وقال «لو حدث العكس وخرج رجل من القطيف وهدد بمثل ما هدد به هذا الرجل سيعاقب قانونياً، إذن نحن أمام تساوٍ حقوقي وقانوني، فالمواطنون يعيشون وفق نظام المواطنة الذي لا يفرق بين أحد وآخر، وهذه نعمة نعيشها على أرض هذا الوطن». وفي تصريح سابق أكد المستشار القانوني الدكتور صادق الجبران على «أهمية تجريم استغلال الدين ضد الآخر المخالف، أو المختلف معه، والتحريض ضد الكراهية باسم الدين، ويجب ألا يختص بطرف، وأيضاً محاربة الحض على الكراهية لدواع دينية للمذاهب والطوائف، من أية جهة أو مصدر جاءت، والتمسك بالوحدة الإسلامية التي تنبذ التطرف». واقترح الجبران ل «الحياة» «إصدار قانون إعلامي متطور يجرم الإساءة إلى الرموز الدينية، إلى جانب ميثاق شرف إعلامي تلتزم به وسائل الإعلام كافة حتى الإعلام الحديث على شبكة الإنترنت، ويشجع على الحوار العقلاني البعيد عن التشنج والعصبية والتطرف». وأظهرت حادثة الدالوة الإرهابية والتي راح ضحيتها ثمانية أشخاص وجُرح كثيرون، بعد هجوم إرهابي على إحدى الحسينيات في مناسبة دينية، التفافاً شعبياً من كل مكونات الوطن ومنتمين لطوائف ومذاهب مختلفة، نددوا بهذا الفعل الغاشم ووقفوا وقفة رجل واحد في وجه تمزيق وحدة الوطن، وكانت التصاريح قوية بقوة الموقف وبصلابة الوحدة الوطنية. أهالي القطيف يشيدون بقرار وزير الدفاع أبدى أهالي محافظة القطيف ارتياحهم «الشديد» لقرار وزير الدفاع رئيس الديوان الملكي الأمير محمد بن سلمان، بالتحقيق مع أحد المنسوبين لأحد القطاعات العسكرية والمتهم بنشر تغريدة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بالإساءة إلى أهالي منطقة القطيف. وعبر عدد من الأهالي عن ارتياحهم لهذا القرار، والذي يدعم «اللحمة الوطنية» والحفاظ على الأمن بحسب قولهم. وكان عدد من أهالي المنطقة، قاموا بتقديم بلاغات إلكترونية في موقع وزارة الداخلية، حيث استنكر العديد منهم هذا التهديد الصادر من أحد المنسوبين للأجهزة العسكرية، مشيرين إلى أن «هذا النوع من التغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي من شأنه إثارة النزاعات الطائفية، ومس اللحمة الوطنية بصورة مباشرة، إضافة إلى «المساس بأمن مكون اجتماعي وفصيل وطني في المملكة». وقال الشيخ منصور الطاهر: إن «في الوقت الذي يمر به الوطن في حالات أهبة الاستعداد والاستنفار التام للوقوف صفاً واحداً لصد كل ما يهدد أمنه بلا فرق بين أبناء الوطن الواحد، تأتي هذه التغريدات التي يتصور أصحابها أن الدولة لن تضرب بيد من حديد أمام هؤلاء الذين يغردون لشق اللحمة وكأن الجو قد صفا لهم، إلا أن الحزم الذي اتخذه وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان يعبر عن محاسبة كل من يريد المساس بأمن هذا الوطن وأنه آن الأوان لإيقاف هؤلاء العابثين عن تغريداتهم التي لا تمت لقادة البلاد بصلة. وأشار سلمان الشرفا بأن الإساءة إلى أي من أبناء الوطن هو جريمة، وتكون الجريمة أكبر عندما تستهدف الوطن في وحدته وأمنه الاجتماعي، وأضاف بأن قرار وزير الدفاع يؤكد على الثوابت الوطنية التي يقوم عليها بناء وطننا الشامخ، وأن الجميع سواسية في الحقوق والواجبات. وأشار إلى أن الأنظمة والقوانين تؤكد على ذلك، إذ إن المادة السادسة من نظام مكافحة الجرائم تنص على أن يعاقب المتهم في حال ثبوت التهمة عليه بالسجن مدة لا تزيد على خمسة أعوام وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وأوضح عبدالله التاروتي بأن قرار وزير الدفاع يضع حداً للمهاترات التي تصدر في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تغذي النعرات الطائفية والقبلية والعنصرية في البلاد، مشيراً إلى أن السماح بالأصوات الداعية إلى النيل من أحد مكونات المجتمع والإساءة إليهم، يرفضه القانون وقبله الدين، مبيناً أن العقاب الرادع لحالات انتهاك وحدة الوطن وتهديد أمنه سيضع حداً للإساءات التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي. القضاء يحمي حقوق كل مواطن يتعرض لعمل عنصري أكد المحامي المستشار القانوني عبد العزيز الزامل أن الشرع والنظام حرما وجرما كل فعل فيه تمييز عنصري سواء أكان ذلك من خلال التمييز المذهبي أم القبلي أم المناطقي أم غير ذلك لكونه يمس الوحدة الوطنية، مبيناً أن الشريعة الإسلامية دعت إلى أن يكون الناس أمة واحدة لرب واحد ولا فرق بينهم إلا بالتقوى، كما أن النظام الأساسي للحكم الصادر بالأمر الملكي رقم أ/90 نص في المادة الثانية عشرة على (تعزيز الوحدة الوطنية واجب وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام). وأشار إلى أن نظام الخدمة المدنية حمى الوظيفة العامة وجرم كل ما فيه عنصرية، إذ جاء في الفقرة (ب) من المادة 11 من نظام الخدمة المدنية، «يجب على الموظف خاصة أن يراعي آداب اللياقة في تصرفاته مع الجمهور ورؤسائه وزملائه ومرؤوسيه»، كما أن المادة 12 من النظام ذاته نصت على أنه «يحظر على الموظف بخاصة إساءة استعمال السلطة الوظيفية واستغلال النفوذ»، وقال: «من هنا أطالب الجهات المختصة بأن يكون للمدارس والمساجد وغيرها دور فعال في التوعية وإيضاح خطورة العنصرية على نسيج المجتمع الواحد، وإنها أداة للفرقة وليست لجمع الناس، لكونها تعتبر رفضاً للآخر مطلقاً والانتقاص منه، وعليه فإن أي مواطن يتعرض لعمل عنصري فإن جهات التحقيق والقضاء تحمي حقوقه وترد اعتباره بعد توافر أركان الجريمة والنظر في ملابسات الدعوى». وأكد القاضي السابق الدكتور يوسف الجبر، أن القوانين اتجهت إلى تجريم هذا الفكر الظلامي، ومنها أن أنظمة المملكة التي كان آخرها نظام مكافحة الإرهاب وتمويله، تعرف الجريمة الإرهابية بما يشمل الطائفية، ونص التعريف على أنها «كل فعل يقوم به الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بشكل مباشر أو غير مباشر، يقصد به الإخلال بالنظام العام، أو زعزعة أمن المجتمع واستقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر، أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده». وقال «الطائفية جريمة إرهابية لأنها تعرض الوحدة الاجتماعية والأمن للخطر وتسبب الصراعات بل الحروب، فلا تردد في تجريمها، وجعلها من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف، ولذلك فنظامنا المحلي يحيل الجناة هنا إلى المحاكم الجزائية المتخصصة ويتعرض لعقوبات مشددة، خاصة إذا كان أثرها مسبباً لأضرار كبيرة، أو كان المتهم موظف دولة». وأوضح أن موقف حكومتنا منذ القدم مبني على النظام الأساسي للحكم الذي كفل الحرية والمساواة والعدالة والحقوق للجميع. ولا يجوز أن نمارس العنف بأية صورة ضد أحد لأجل اختلاف الفكر أو الثقافة، فحقوق المواطنة وحقوق الإنسان تؤمنان له حياة كريمة آمنة. ويبقى التأكيد على أن معركتنا الحقيقية هي معركة النهضة العلمية ونحن بحاجة للتعاون والتآزر وادخار الجهود للبناء فقط، وألا نضيعها في سجالات عقيمة ومعارك وهمية. وأكد الجبر على أن الطائفية فكر غريب على المجتمع المتحضر، وهو علامة تخلف ثقافي، وانحراف خلقي، وكل من يحاول تبرير مواقف التعصب فهو يعلم قبل غيره بأنه يخالف نداء الفطرة وحكم الأصالة، ومهما كانت مكارم الإنسان فتأتي الطائفية لتدفن كل مكسب أخلاقي له وتعري حقيقة إنسانيته. وقال «لذلك فجميع النبلاء يتفقون على رفض هذا الفكر ومحاربة تمدده وتجفيف منابعه لأنه يدمر النسيج الاجتماعي للمجتمعات ويشغل عن الهم الحضاري والحراك البناء».