للأسف نعم، هذه هي إجابة السؤال أعلاه، ولعل إقفال إحدى القنوات الفضائية التي تجنت على جزء غال وعزيز من أبناء الوطن، بطائفية وعنصرية مقيتة يفتح الباب مجددا أمام هذا الداء الذي استفحل، فمن سعى، بقصد أو بدونه، لإحداث فتنة تشق صف اللحمة الوطنية، عاد لمنزله ""مستريح البال""، لم يسأله أحد، لماذا وكيف أجرمت في حق الوطن، بينما المحترقون بنار تأجيج العنصرية والطائفية، يظلون يعانون طويلا من تلك المحاولات، التي إن استمر الحال في التعاطي معها بتراخ، فسيبقى باب الشر والفتنة مواربا، صعب جدا إقفاله بوطن يسمو فوق كل الطوائف والقبائل والمناطق. كان ملك البلاد صارما وحاسما وهو يحذر من هذه الآفة الخطيرة، عندما قال في افتتاح دورة مجلس الشورى في أبريل 2007 ""إن تأجيج الصراعات المذهبية وإحياء النعرات الإقليمية واستعلاء فئة في المجتمع على فئة أخرى يناقض مضامين الإسلام وسماحته، ويشكل تهديدا للوحدة الوطنية وأمن المجتمع والدولة، لذا فإنني آمل أن يكون للوحدة الوطنية مكان الصدارة في اهتمامات مجلسكم"". لاحظوا أن هذا التحذير أطلق قبل خمس سنوات، لكن مجلسنا الموقر لا يزال غائبا عما أوصاهم به خادم الحرمين وطلب منهم إعطاءه صدارة الاهتمام. لا أظن أن أيا من عقلاء هذه البلاد من غربها إلى شرقها ومن جنوبها إلى شمالها مرورا بوسطها، يرفضون أن يكون هناك قانون صارم يحمي سياج الوحدة الوطنية، ويجرم أي ممارسة تنطوي على تمييز طائفي أو قبلي أو مناطقي أو عرقي، بل إن المادة الثانية عشرة من النظام الأساسي للحكم تنص على أن ""تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والانقسام""، ومع كل هذه المبادئ التي تعطي أرضية صلبة لتشريع قانون لتجريم العنصرية والطائفية وكل أدوات الفتنة، يظل الوطن بعيدا عن قانون يضبط التجاوزات التي تتم بين الحين والآخر، وها هي الشواهد ماثلة للعيان: فضائيات تتبارى في تأجيج الطائفية، ومواقع إلكترونية تتنابذ بالألقاب وتعزز العنصرية، وبلغت الأمور حدا لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك ويوتيوب للانتقاص من هذه الطائفة أو تلك القبيلة، وللأسف هناك من يستمتع بكل ما يجري. لا أفهم أبدا أن يترك العنان لخطيب جمعة كي يقصي طائفة من الوطن ويكفرها، لا أستوعب إصرار شخصية دينية معروفة على أن تعطي أبناء طائفتها مزايا تفضيلية، ليس لأنهم سعوديون، وإنما لأنهم من هذه الطائفة أو تلك، حتى لو جاءت هذه المطالب تحت شعارات أخرى، فالهدف في نهاية الأمر طائفي. هناك وطن واحد هو القبيلة الكبرى للسعوديين جميعا، بكل طوائفهم وعوائلهم ومناطقهم ومشاربهم، ومن يضرب هذه القاعدة فهو يطعن في خاصرة الوطن، ولا مجال للتقاعس والسماح بتشتيت وحدتنا الوطنية وتقسيم بلادنا لمناطقية وطائفية وقبلية، مهما كانت المبررات أو الدوافع.