لم يسمع كثر بإسم فريدريتش فروبل (1782 - 1852)، لكن الذين يعرفونه يعلمون أهمية هذا الألماني ومدى تأثيره عالمياً، في المجالين التربوي والاجتماعي. فروبل هو مؤسس أول حضانة في العالم (عام 1837)، ويقف وراء فكرة التعليم المبكر للأطفال ومبتكر ألعاب «فروبل غيفتس»، وهي عبارة عن ألعاب تقوّي عقول الأطفال وذكاءهم وانتباههم وقدراتهم التحليلية. في 21 نيسان (إبريل) من كل عام، يحتفل العالم بولادة رجل أعطى جزءاً كبيراً من حياته في سبيل العلم والتعليم، وأعطى الأطفال في بلدان العالم خطوة أولى تسهّل عليهم تأسيس حياة أفضل. وفي لبنان، مثل بقية الدول التي تبنّت أفكار فروبل، حضانات كثيرة أسسها أصحابها لأسباب مختلفة. فمنهم من أراد فعلاً أن يساعد الأطفال ويوفّر لهم أجواء اجتماعية قبل دخولهم المدرسة، ومنهم من أراد أن يستفيد مادياً فجعل من «حضانته» مؤسسة تجارية تكون في بعض الأوقات، المثوى الأخير لأطفال أبرياء لم يروا من الدنيا شيئاً. فقبل أسابيع قليلة، أغلقت وزارة الصحة مؤسسات لعدم استيفائها الشروط الضرورية لضمان سلامة الأطفال، منها أن تضمّ كل دار حضانة غرفة إدارة واستقبال، غرفة نوم للأطفال، غرفاً أو قاعات للعب، غرفة طعام، غرفة عازلة للمرضى، مطبخاً، حماماً ومراحيض. كما يجب أن تتوافر في البناء مواصفات للسلامة العامة، منها ألا يقلّ علو السقف عن ثلاثة أمتار، وأن تُفرش الأرض المبلّطة بمادة لدنة، وأن تكون التهوئة والإضاءة جيدتين، وأن يحتوي البناء على جهاز تدفئة صحي في كل غرفة. إضافة إلى هذه الشروط، على الحضانات المراد إنشاؤها، أن تضمّ طاقماً طبياً مؤلفاً من ممرضة مجازة ومساعدة ممرضة وحاضنة ومساعدة حاضنة وخادمة وطبيب مجاز بمزاولة المهنة على الأراضي اللبنانية. فما هو عدد الحضانات التي تطبّق هذه الشروط؟ وما هو دور هذه المؤسسات في رعاية الأطفال وتنشئتهم؟ تقول صاحبة حضانة «بيبي لاند» في بيروت، السيدة إيناس، إن «الأطفال في هذا العصر في حاجة إلى الرعاية، خصوصاً في ظلّ عمل الأبوين وانشغالهما الدائم، ولكل مؤسسة منهج أو أسلوب تعمل بموجبه. ففي حضانتنا مثلاً، نستقبل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 40 يوماً وثلاث سنوات تقريباً، ونجعلهم يتطوّرون وفقاً لنظام «مونتيسوري» العالمي الذي تعتمده مؤسسات تربوية قليلة جداً في لبنان». وأوضحت أن هذا النظام «يتميّز بتركيزه على إظهار المهارات الحسية لدى الأطفال، خصوصاً في أعمار مبكرة، ويهيئ بيئة تعليمية مناسبة لتطوّر مستوى الطفل. كما يساعده على تطوير الثقة بالنفس والتحلّي بالصبر واحترام المحيط الذي يعيش فيه». ولفتت إلى وجود نشاطات ترفيهية في «بيبي لاند»، ليعيش الطفل طفولته في شكل كامل. فغالبية الأهالي يعملون ولا وقت لديهم للرعاية الكاملة، أما الأمهات غير العاملات فيأتين بأطفالهنّ لأسباب تثقيفية ولتهيئتهم لدخول المدرسة. أما المختصّ في علم الاجتماع هادي الخوري، فيقول إن «دَور الحضانة للأطفال الذين تراوح أعمارهم بين سنة و4 سنوات، مهم جداً لأن هذه السنوات تعتبر من أهم الفترات للطفل، فهو يكتسب فيها القدرات الأساسية التي تهيئه في وقت لاحق للنجاح في المدرسة والحياة»، مضيفاً: «ليس سهلاً إدخال الأطفال حضانة معينة من جهة الأهل، فهم لا يعرفون إلا القليل عن هذا المكان، ومدى التزام هذه الحضانة بالشروط الواجب توافرها للسلامة العامة، ولا مدى نظافتها ولا الاهتمام الذي ستوليه لأبنائهم. لكن، على الأهل أن يعلموا أن هذه المرحلة مهمة جداً لأطفالهم، لأنها تساعدهم على اكتساب الثقة بالنفس، وتصبح لديهم القدرة على التواصل في شكل أسهل». وأشار الخوري إلى أن «وجود الطفل مع أطفال آخرين وتشاركهم الألعاب والغرف، ينمّيان لديه تقبّل الآخر واحترامه واحترام مساحته الخاصة»، لافتاً إلى أنه في الحضانات، يكتسب الطفل مهارات كثيرة «لأن العاملين هناك يعلّمونه الغناء والرقص والأشغال اليدوية، كما يساعدونه على تحمّل المسؤولية في سن مبكرة. فيرسّخون فكرة أنه عليك أن تساهم في ترتيب سريرك أو في تحضير الأكل مثلاً». وأوضح أن الألعاب الموجودة في هذه الأماكن، «مصنوعة خصّيصاً لزيادة فضول الطفل وتركيزه، وبالتالي زيادة الذكاء والقدرة على الإبداع والابتكار». و«لهذه المؤسسات أيضاً سلبيات» يقول الخوري، موضحاً أن «الطفل قد يصبح في وقت لاحق عدوانياً أكثر من غيره، وعاصياً لأنه نشأ خارج كنف أهله حيث السلطة ليست لهم. أما في ما يخص الارتباط العائلي، فيُلاحظ أن علاقة الطفل بأمه خصوصاً تصبح ضعيفة ومفككة بعض الشيء، لأنها أهملته لسبب ما ولم تكن بجانبه في مراحل مهمة من حياته، ولم ترافقه في خطواته الأولى. فالأم هي العنصر الأساس بالنسبة إلى الطفل وحاجاته. فهي تفهمه وتعرف متطلباته أكثر من غيرها، ما يؤدي في بعض الحالات إلى تباعد الأم والطفل في المشاعر والعلاقة الطبيعية». وأشار في المقابل، إلى أن «الأطفال الذين يرتادون الحضانات، يصبحون عرضة أكثر للفيروسات والأمراض المعدية، كما يكونون عرضة لسوء سلوك أطفال آخرين». أما في ما يخص تعامل المشرفين على الحضانة مع الأطفال، فيقول الخوري: «في بعض الأوقات، يتعرّض الطفل لإساءات شفهية، ما يؤثر سلباً في شخصيته ونفسيته وينعكس في مراحل لاحقة على تصرفاته. وهناك حالات تتحوّل فيها الإساءات الشفهية إلى جسدية يتعرّض خلالها الطفل للضرب، وهو أمر غير مقبول». في أي حال، بسلبياتها وإيجابياتها، يبدو أن دور الحضانة أمر لا بدّ منه للعائلة المعاصرة، التي تكون فيه الأم عاملة في غالبية الحالات. وعلى الأهل في ظلّ هذا الواقع، أن يكيّفوا سبل تربيتهم لكي تلائم لا «طفل البيت» بل «طفل البيت والحضانة» معاً.