نجح باحثون أميركيون أخيراً في تكبير حجم أدمغة فئران، عبر تزويدها بجزء من الحمض الوارثي ل...الإنسان! وعزّر فريق آخر ذلك الإنجاز، عبر إشارته إلى وجود «جين» لا يكتفي بتكبير حجم دماغ الفأر، بل يزوّده بتلافيف تشبه ما تتمتع به أدمغة الأنواع الرئيسيّة من الحيوانات التي تشمل القردة والشمبانزي. القردة والبشر. وتشير تلك الأمور إلى أنّ العلماء بدأوا يكشفون النقاب عن بعض من خطوات التطوّر التي عزّزت القدرات المعرفيّة لدى الجنس البشري. وفي ذلك الصدد، أوضح فيكتور بوريل فرانكو، وهو اختصاصيّ في بيولوجيا الأعصاب يعمل في «معهد العلوم العصبيّة» في مدينة «آليكانتي» الإسبانيّة، أن تلك الدراسات تمثّل حجراً أساسيّاً يخول العلماء فهم فرادة البشر على صعيد التطوّر. انطلقت الدراسة عن الجين المسؤول عن حجم دماغ الإنسان، عندما بدأ فريق قاده البروفسور ويلاند هاتنر، عالم البيولوجيا العصبيّة التطوّريّة في «معهد ماكس بلانك لبيولوجيا الخلايا الجزيئية والوراثيات» في «درِسدن» بألمانيا، بمراقبة أنسجة جنين بشريّ مُجهَض، مع مقارنتها بأجنّة فئران. وبيّنت مارتا فلوريو، وهي طالبة دراسات عليا يشرف عليها هاتنر وشاركت في العمل، أنّ ما أراده الفريق هو تحديد الجينات الناشطة في تطوير القشرة الدماغيّة، وهي جزء فائق الضخامة في دماغ البشر ومجموعة من الأنواع الرئيسيّة من الحيوانات. وتبيّن أنّ المسألة أصعب مما تبدو عليه ظاهرياً، إذ إن تكوين قشرة دماغ يتطلب تعاوناً بين أنواع عدّة من خلايا المنشأ (الجذعيّة) المتّصلة بظهور الخلايا العصبيّة المكوّنة لنسيج الدماغ. وبعد شهور من العمل، توصّل الباحثون أخيراً إلى نتيجة. إذ أضافوا علامات مميزة إلى خلايا المنشأ التي تتولى تكوين الدماغ، خصوصاً قشرته الكبيرة. وبعدها، جرت دراسة الجينات الناشطة في كل نوع من أنواع تلك الخلايا. وتبيّن أن النسيج البشريّ يضمّ 56 جيناً، لا يتوافر نظير لها في أنسجة الفئران، مع ملاحظتهم أيضاً لدور مميّز لجين يدعى «آرغاب 11 بي» ARHGAP11B، ما دفعهم إلى الاستنتاج أنه يؤدّي دوراً أساسيّاً في عملية تكوين الدماغ البشري. منذ سنوات عدّة، اكتشفت مجموعة من الباحثين أنّ ذلك الجين ظهر عبر عملية تطوّر تشمل أن يصنع جين «آرغاب 11 بي» نسخاً «غير مكتملة» عن نفسه. وفي خطوة تالية، قرّر هاتنر وفريقه تزويد أجنّة الفئران بجين «آرغاب 11 بي»، في مراحل مبكّرة من تطوّرها الجنيني. وسرعان ما تبيّن لهم أن عدد خلايا المنشأ التي تولّت توليف قشرة الدماغ، تَضاعف تقريباً لدى تلك الحيوانات، بل تطوّرت التلافيف في قشرتها أيضاً. ونشر هاتنر وفريقه نتائج تجاربهم الرياديّة في مجلة «ساينس» العلميّة التي تنطق بلسان «الجمعية الأميركية لتقدم العلوم». ولفت الفريق إلى أن جين «آرغاب 11 بي» عمل أيضاً على حثّ بعض خلايا المنشأ في دماغ الفأر على إنتاج خلايا عصبيّة متطوّرة، بأعداد أكبر مما يلاحظ خلايا جذعية مرحلية بأعداد أكبر مما تملكه تلك القوارض طبيعيّاً. وفي النهاية، تآزرت تلك المتغيّرات على صنع زيادة حجم دماغ الفأر. في السياق عينه، أشار البروفسور بوريل فرانكو إلى أنّ تلك النتيجة تشدد على إمكان أن يكون جين «آرغاب 11 بي» اكتسب أهمّيته فعليّاً عبر عملية تطوّرية في الحيوانات الثديية، بسبب دوره في صنع دماغ كبير الحجم وفائق التعقيد في تلافيفه أيضاً.