تسلم لبنان امس، الدفعة الأولى من شحنات الأسلحة الفرنسية الممولة من الهبة السعودية المخصصة لدعم الجيش والقوى الأمنية اللبنانية الأخرى وقيمتها 3 بلايين دولار، خلال احتفال رسمي أقيم أمس، في القاعدة الجوية لمطار رفيق الحريري الدولي في بيروت. وأكد السفير السعودي لدى لبنان علي بن عواض عسيري، الذي واكب وصول الأسلحة على أرض المطار ل «الحياة»، أن هذه المساعدات «رسالة دعم للشرعية اللبنانية، وهي من دولة إلى دولة». ووصفها وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، الذي تابع وصولها، بأنها «تشكل منعطفاً في علاقاتنا الدفاعية الثنائية مع لبنان وتعزيزاً للصداقة بين البلدين في وقت نواجه نحن الاثنين تحديات أمنية غير مسبوقة، وكل ذلك بدعم من المملكة العربية السعودية». وحضر عملية التسليم عن الجانب اللبناني وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان وضباط والقوة الفرنسية في قوات «يونيفيل». واعتبر مقبل في كلمة أن زيارة نظيره الفرنسي «تعبر عن مدى عمق الصداقة والعلاقة الوطيدة بين بلدينا، خصوصاً في هذه المرحلة التي نمر بها». وشكر «المملكة العربية السعودية على هذه الهبة القيمة»، مذكراً «بدور الرئيس ميشال سليمان، الذي سعى أيضاً في كل الاتجاهات إلى تسليح الجيش ودعمه». كما شكر «كل الدول الصديقة التي قدمت وتقدم مساعدات عسكرية عينية وتدريبية»، مسمياً «الولاياتالمتحدة إلى جانب دول أوروبية وعربية». لودريان: التحديث والهيكلة وقال لودريان «في ظروف تتسم منذ 3 سنوات بتدهور كبير في الوضع الأمني في المشرق وحال خطر وجودي على دول المنطقة، تعيد فرنسا في هذه الظروف تأكيد إرادتها ورغبتها في أن يبقى لبنان عامل استقرار في هذه المنطقة».ورأى «أن لبنان يتعرض اليوم لضغوط من تنظيم داعش وجبهة النصرة لم يسبق لها مثيل، وهو ما جعل من مراقبة حدوده والتحكم بها تحدياً حيوياً لأمنه. وأحداث عرسال جاءت لتشهد على ذلك. الجيش اللبناني دفع ثمناً باهظاً في هذه المعركة خصوصاً الرهائن وأسرهم». وأضاف قائلاً: «منذ العام 2013، قررنا أن نقود معاً برنامجاً ضخماً لتحديث قوى الجيش اللبناني، وللاستمرار في الاضطلاع بهذه المهام الحيوية كانت قوى الجيش في حاجة إلى مواد وتجهيزات عصرية لزيادة قدراتها العسكرية وتعزيزها، ولتتمكن كذلك من الدخول في عصر جديد من حيث قيادة العمليات، والتحديث والهيكلة هما الهدفان اللذان استرشدنا بهما في مسعانا طوال هذا المشروع وهذا المشروع جاء بتوجيه من الجيش اللبناني وبدعم من الأركان الفرنسية والقيادة والإدارة العامة للتسلم. وفرنسا سترافق هذا المشروع طوال 10 سنوات». وأوضح أن المشروع «سيتضمن تسليم عشرات العربات المدرعة القتالية و6 طائرات مروحية للنقل المسلح وكذلك مدفعية حربية حديثة مثل مدافع Cesar. وسيسمح بتحديث لم يسبق له مثيل للإمكانات البرية اللبنانية، وبتحسين للقدرات السياسية لمراقبة الحدود وأمنها. ويتضمن شقاً يتعلق بمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستخبارات يستجيب لحاجات هندسة أمنية متكاملة». وقال الوزير الفرنسي: «إن أحد الأهداف الرئيسية في المشروع يتمثل في تدريب مئات من الضباط وضباط الصف والجنود اللبنانيين على تقنيات عملية مطلوبة لاستخدام هذه الأسلحة والمعدات، ولجبه هذا التحدي ستنشر فرنسا 60 ضابطاً من ضباط الصف وبموازاة ذلك ستكون الكليات الفرنسية والمدارس، إن كان للقوات البرية أو البحرية أو لسلاح الجو، مفتوحة لاستقبال اللبنانيين في دورات تدريبية لتنقل لهم خبرات الجيش الفرنسي». وسئل مقبل عن سبب قبول هبات من السعودية وعدم قبول هبات من إيران، فجدد شكره «للمملكة العربية السعودية». وقال: «نحن مستعدون لنقبل أي هبة غير مشروطة. وبالنسبة إلى الهبة الإيرانية فنكرر إن الامر منوط بمجلس الوزراء وموافقة مجلس الأمن عبر رفع الحظر عن إيران». ولفت إلى أن دفعات وصول الأسلحة والعتاد الفرنسي «ستستمر لمدة 48 شهراً المقبلة». وشدد عسيري على أن الحدث «رسالة لمن شكك في صدق المملكة وإخلاصها في هذه الهبة ودعم استقرار لبنان. ونحن سعداء جداً بما نراه اليوم من دعم للجيش اللبناني الذي هو درع الوطن ويحمي سيادة لبنان واستقراره والشرعية فيه، وندعم الشرعية في اليمن، وهذا أسلوب المملكة وسيادتها، فالمملكة تدعم الحكومات ولا تدعم غيرها، لا تؤذي البلدان، هي تدعم ما يؤدي إلى استقرار لبنان وسلامته». وأكد أن المملكة تنظر إلى لبنان «كحكومة وشعب ولا نتأثر بما يصدر من أجزاء بسيطة في لبنان، فعلاقة المملكة بلبنان فوق كل ما سمعنا من مهاترات إعلامية لا تؤدي الغرض ولا تخدم لبنان، وللأسف تدعو إلى الفتنة. إنها رسالة صدق ومحبة من قيادة المملكة للشعب والحكومة والشرعية اللبنانية، وأي جزء ضل الطريق من هذه الفئة، لا نوليه أي اهتمام ولا نعتبره». وأوضح قائد الفوج المضاد للدروع العميد الركن جانو حداد، أنه «بموجب الهبة السعودية نتسلم عدداً من مزاحف وصواريخ «ميلان» حديثة الصنع، من شأنها تحقيق نقلة نوعية في أداء الجيش خلال مختلف الظروف القتالية». سورية واليمن وشرح لودريان في ختام زيارته بيروت في خطاب في مقر السفارة مساء، أن الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط مرتبط أولاً «بأمن مواطنينا الذين يزداد عددهم في المنطقة»، مضيفاً أن «المبرر الآخر لهذا الوجود العسكري هو أن أمننا على أرض الوطن أصبح مرتبطاً بما يدور في هذه المنطقة. فأحداث باريس في كانون الثاني (يناير) الماضي أثبتت للفرنسيين أن الوضع في اليمن وانتشار القاعدة في هذا البلد يمثلان تهديداً مباشراً. كما أن ما يحدث في العراق وسورية مع التدفق الضخم للمسلحين الأجانب، وبينهم عدد كبير من الفرنسيين، يزيد الخطورة». وقال: «ليس هناك إلا القليل لنزيده على الإحباط الذي يتملك حكوماتنا وكل منا إزاء المأساة المستمرة على حدودكم منذ أربع سنوات: عمى النظام ولجوؤه إلى استراتيجية العنف المتصاعد حتى ولو أدى ذلك إلى تدمير سورية كلياً، وإزاء هذا الوضع غير المسبوق فإن استراتيجيتنا العمل بما في ذلك العسكري. وعندما يكون أمن فرنسا مستهدفاً، عليها أن تتحرك وهي تعمل اليوم. هذا هو الدرس الرهيب الذي استخلصته من الأزمة السورية فعدم القدرة على التحرك عندما كان الوقت لا يزال مناسباً ولد هذا الوضع المرعب في ظل وجود نظام مستمر في معاقبة شعبه ووجود مجموعة إرهابية نصبت نفسها في موقع المعارضة علماً أننا نعرف جيداً الرابط بين الطرفين. ومن الواضح أنها معادلة لا حل لها وعلينا الخروج منها. والخيار الذي أقدمت عليه فرنسا بدعمها الائتلاف الوطني السوري». وأشار إلى أن «أحداث عرسال والقلمون تؤكد وجود تهديد أمني مباشر يتمثل باختراق مجموعات إرهابية عازمة على نقل مواجهة ضد دول المنطقة إلى مسارح جديدة. وجئت إلى لبنان كما إلى الأردن لأقول لكم أنكم لستم وحدكم». وقال «إن اليمن أفضل نموذج للمعادلة الجيوسياسية الجديدة وبمبادرة من السعودية أرادت دول المنطقة ضم قواتها لوقف محاولة زعزعة الاستقرار المدعومة من الخارج التي استهدفت النظام الشرعي للرئيس هادي. وعلى رغم أننا لا نتدخل في شكل مباشر إلا أننا نقف بجانب الذين يعملون على إعادة استقرار هذا البلد، ووفقاً لما أظهرته العقوبات الدولية، فإن فرنسا لن تتهاون مع الذين يحاولون تدمير المؤسسات الشرعية للدولة لتعزيز نفوذهم وتحقيق أهداف قوة إقليمية تسعى للهيمنة». وشدد «على ضرورة أن يجتمع اللبنانيون لانتخاب رئيس يحمل الأمل للمنطقة بأكملها». وزار لودريان رئيس البرلمان نبيه بري، ثم رئيس الحكومة تمام سلام الذي شكر خادم الحرمين الشريفين، مؤكداً «الحرص على تمتين العلاقة مع المملكة وابعادها عن الشوائب والشعب اللبناني لن ينسى من وقف معه في الشدائد ولن يبادله الا المحبة والتقدير»..