هو لبنان بكل تشوّهاته وجماله وحلوه ومرّه. صور تجسّد هذا البلد بعيون 23 فناناً من أبرع المصوّرين في لبنان، في معرض تستقبله صالة «دوم سيتي سنتر» في وسط بيروت التجاري حتى 20 كانون الأول (ديسمبر) الجاري. وبما أن ثقافة الصورة ما زالت هشّة بالنسبة الى كثيرين، والمصوّر مغامر يحمل كاميرته في كف وحياته في الكفّ الآخر، جاء معرض «23 رؤية» الذي يُنظمه المصوّر بيار بارد والديبلوماسية رايا حمصي، «لردّ الاعتبار الى جهد وكفاءة المصوّرين اللبنانيين وتأكيد فعاليتهم في المجتمع»، كما يقول بارد. ويأتي المعرض تزامناً مع صدور كتاب مصوّر بالعنوان نفسه، يذهب ريع 25 في المئة من ثمنه، الى مركز «سانت جود» للعناية بالأطفال المصابين بالسرطان. كيف يرى كل مصوّر لبنانه؟ هي الفكرة التي انطلق منها بارد صاحب الكتاب المصوّر «Made in Lebanon»، ليدعو أكبر عدد من زملائه المصورين البارعين في لبنان، وليُصدر كتاباً جماعياً يؤرشف بالصور لمرحلة معاصرة من هذا البلد. وفي النهاية، اختار 23 من أصل 70 تقدّموا للمشاركة، ليُقدم كلاً منهم ب 11 صورة تعبّر عن لبنانه. فجاءت الصور في كتاب أنيق ملوّن، ذي طباعة عالية الجودة، يعرّف بكل فنان بالفرنسية وبالانكليزية. والمصورون هم: ماهر العطار، بيار بارد، إيلي بخعازي، إيدي شويري، بيار ضو، بيار اسطفان، هادي حلبي، فارس جمّّال، جو كسرواني، غسان كتمتو، بسام لحود، ألين مانوكيان، باربرا مسعد، جان مرعي، سامر مهداد، ألفرد موسى، هيثم الموسوي، نويل نصر، أنطوني رياحل، ألبيرت صيقلي، جو ساسين، جان بيار طربيه، رايموند يزبك. يمكن اعتبار الكتاب «مرجعاً بصرياً لفترة ما بعد عام 2000. فهو يضمّ صوراً من المناطق اللبنانية، حيث الطبيعة وتناقضات العيش وحياة الليل الصاخبة التي صارت أشهر ما يُعرّف عن لبنان. أما صور هيثم الموسوي فهي أبعد من لقطات صحافية لمشاهد الحرب أو الاحتلال، لأنها لوحات فنية عرف المصور كيف يحوّل مشاهدها من لحظات ألم الى صور تُحفر في الذاكرة الى الأبد. ولم ينسَ موضوع الإغراء الذي تمثّله المرأة اللبنانية بفخر. فوضع كل مشاهد الدم والأسلاك الشائكة، جسد عارضة أزياء كُتب على ظهرها «يا ست». وكأنه يُبينّ التناقض الذي يميّز المجتمع اللبناني. وتأتي صور جان بيار طربيه التي التقطها من أعلى، على الأرجح من هيليكوبتر، للإعمار العشوائي في بيروت، لتُكمّل مشاهد الموسوي وغيره من المصورين حول الفوضى. وتميّزت صور أنطوني رياحل من بين المجموعة، لتمحورها كاملة حول حياة الليل الصاخبة في بيروت. وليس الموضوع بحدّ ذاته ميزة، فطريقة رحايل في التقاط الصور التي يُدخل فيها بعض التشويش «flew»، والزاوية التي يأخذ منها صوره، ميزتان إضافيتان للوحاته. واللافت في الكتاب تحمل الهمّ البيئي الذي نادراً ما يتطرق إليه الفنانون في مجتمعاتنا. وذلك من خلال تصوير نباتات وأشجار وجبال وأنواع طيور، تعكس التنوّع البيئي والأيكولوجي الذي يتميّز به لبنان. ولا ننسى جمالية السحر الصوفي في صور غسان كتمتو، وبساطة ماهر عطار الخلاقة بالأبيض والأسود. فالقائمة تطول ولا يمكن الحديث عن صور 23 فناناً، استطاعوا في كتاب واحد أن يُبرهنوا أن الصورة لوحة فنية ووسيلة تعبير، تحكي أحاسيسهم وانفعالاتهم في إخراج خاص يوقعه كل منهم.