يحفل العراق اليوم بالكثير من الظواهر الغريبة، منها ما كان من تركة النظام السابق ومنها ما جاء به الاحتلال عام 2003 ومنها ما خلفته الحرب الأهلية التي اشتد أوارها في العام 2006. هذه الظواهر تشمل الحياة العراقية من كل جوانبها ويبدو الخلل والعطب فيها واضحاً بحيث أصبحت هذه الظواهر قانوناً وسلوكاً. أحد أغرب هذه الظواهر ما يسمى بمجلس النواب العراقي الذي يعد ظاهرة غير مسبوقة منذ أول برلمان في التاريخ، ذلك البرلمان الذي أسسه السومريون قبل خمسة آلاف سنة. تأسس هذا البرلمان من أجل أعضائه البالغ عددهم 276 عضواً وكانت القرارات التي يتخذها في جلساته السرية والعلنية تتمحور حول حصول هؤلاء الأعضاء على أكبر الامتيازات في كل شيء بدءاً بالراتب الذي يتقاضاه النواب وهو راتب يفوق راتب رئيس الولاياتالمتحدة ويصل إلى قرابة الأربعين ألف دولار شهرياً وانتهاء بالموافقة على حصولهم على الجواز الديبلوماسي هم وأسرهم لمدة ثماني سنوات مقبلة. البرلمان العراقي يجلس تحت مظلة الاحتلال ولم يناقش في كل جلساته لا قضية الاستقلال ولا قضية الحرية. في المقابل يحارب هذا البرلمان من أجل امتيازاته ويخرق الدستور المملوء بالثغرات من أجل ذلك، إذ توجد مادة في الدستور مفادها إن مجلس الرئاسة لا يحق له الاعتراض ثلاث مرات على مشروع يقره البرلمان. وقد قام هذا البرلمان بتقديم مشروع غريب للغاية حول امتيازات أعضائه رفضه مجلس الرئاسة مرتين ولم يستطع الاعتراض عليه في المرة الثالثة وكان للنواب ما أرادوا طبقاً للدستور! بموجب هذا المشروع يتمتع رئيس المجلس بسلطة رئيس الجمهورية ويكون لنائبيه الحق بالتمتع بسلطة نائب رئيس الجمهورية، أما الأعضاء فلهم الحق بالتمتع بسلطة رئيس الوزراء ويمنحون كل الحقوق والامتيازات الممنوحة لهذه السلطات. أما ما يتعلق بالبلد وأهله فمنسي وتمر النقاشات في البرلمان باتفاق الأحزاب وتبويس اللحى. لقد فشل هذا البرلمان 11 مرة في إنجاز قانون الانتخابات على سبيل المثال، وفي النهاية تم الأمر بخرق للدستور وللديموقراطية الناشئة عبر حرمان الأحزاب الصغيرة من جمع أصواتها في الدوائر المختلفة لتحسب هذه الأصوات في النهاية لمصلحة الكتل الكبيرة. قلص البرلمان في المادة الأولى من القانون عدد المقاعد التعويضية المخصصة أصلاً للقوائم التي لا تحقق القاسم الانتخابي على صعيد المحافظات وتحققه على المستوى الوطني من 45 في القانون الأصلي إلى حوالى 15 مقعداً فقط! وحين نعلم إن هذه المقاعد ستخصص حصص منها لبعض المكونات القومية والطوائف (8 مقاعد) وللنواب الذين ينتخبهم العراقيون المقيمون في الخارج والذين تزيد نسبتهم على 10 في المئة من سكان العراق يتبين لنا كم هو اعتباطي هذا التقليص وغير مسؤول، فالمقاعد السبعة أو الثمانية المتبقية لن تكفي حتى لتغطية أصوات الناخبين في الخارج. وفي المادة الثالثة من القانون ذهبت الكتل البرلمانية الكبيرة أبعد كثيراً في انتهاك الديموقراطية والاستهانة السافرة بالناخبين، فقد فرضت مجدداً منح المقاعد الشاغرة للقوائم الفائزة بدل وضعها – كما تقضي الديموقراطية ويقتضي المنطق والعدل - تحت تصرف القوائم الحاصلة على أعلى الأصوات المتبقية. وبذلك فتحت الأبواب مجدداً أمام تكرار التجربة السيئة الذكر في انتخابات مجالس المحافظات أوائل السنة الحالية عندما ارتكبت الكتل الكبيرة الخطيئة بسلبها أصوات ما يزيد على مليونين وربع المليون ناخب اقترعوا لقوائم أخرى واستخدمتها في انتزاع مقاعد إضافية في مجالس المحافظات من دون وجه حق. يأتي النائب إلى جلسة البرلمان ويكون قبل ذلك قد تلقى تعليمات حزبه أو الأحزاب المتحالفة مع بعضها وبذلك يكون القرار ناجزاً ومطبوخاً ليصب في مصالح هذه الأحزاب وليس في مصلحة المواطن أو الوطن. المضحك في الأمر هو التصويت الذي يجري بعد مناقشة أي مشروع حيث يتحول البرلمان إلى مقهى شعبي للعب الدومينو، ومن يعرف الخلفيات الثقافية لأعضاء البرلمان لن يصاب بالدهشة فنصف هؤلاء كانوا يعملون تجاراً في إيران أو في الحوزات التي تخرج أئمة راديكاليين. أما النصف الآخر من الأعضاء فمنهم البعثي و «القاعدي»، وقلة قليلة جداً من الوطنيين. فضيحة ديبلوماسية في مطار نشرت الصحف البريطانية قبل أيام خبراً عن سيدة عراقية تحمل جوازاً ديبلوماسياً أثارت الشكوك وهي تتخبط في ممرات المطار... فمرة تقف في طابور حاملي الجوازات الأوروبية وتارة في طابور الأجانب من دون أن تستقر في أي منهما حتى جاءها ضابط من أمن المطار وسألها إن كانت تحتاج الى مساعدة. حين رأى جوازها الديبلوماسي رحب بها ترحيباً حاراً وقال لها إن اسمها جميل لكنها لم ترد فعاد وسألها إن كانت تتكلم الانكليزية فبقيت صامتة وعيناها زائغتان. تصور الضابط أن هذه السيدة مصابة بالصمم لكنها أوحت له انها تستطيع أن تسمع لذلك قرر أن يستعين بمترجم عربي حيث حصل على شخص من شمال أفريقيا لكنه لم يستطع المساعدة لاختلاف اللهجة. فكر الضابط أن تكون هذه المرأة كردية لأن معظم الديبلوماسيين من الأكراد خصوصاً أن حصتهم من المحاصصة كانت وزارة الخارجية فاتصل بمترجمة كردية أعلنت بعد حوار قصير مع المرأة انها لا تعرف أية كلمة كردية. لم يبق أمام الضابط سوى استخدام مكبر الصوت ووجه نداء في ما إذا كان هناك أحد العراقيين موجوداً في المطار لمساعدة سيدة عراقية. بعد قليل حضر الدكتور صاحب الحليم وبدأ يترجم للسيدة. ضحك الضابط وقال: «أهنئ الخارجية العراقية على هذا الإنجاز غير المسبوق» امرأة أمية تحمل جوازاً ديبلوماسياً. يمكننا أن نتخيل أن هذا يحدث في الكثير من المطارات الأوروبية الآن لأن السادة النواب حصلوا هم وعائلاتهم على هذه الجوازات الديبلوماسية لفترة ثماني سنوات.