يوشك الموسم الحالي أن يعلن خيبته للثري الإنكليزي مانشستر سيتي، إذ ظلت بطولة الدوري الأمل الوحيد لحامل لقبها في إنهاء الموسم بإنجاز يُذكر، بعد خيبة الخروج مجدداً من دور ال16 لدوري أبطال أوروبا، والإخفاق المُبكر في كأس المحترفين أمام رديف المكافح نيوكاسل، وكارثة الإقصاء أمام فريق الدرجة الأولى ميدلزبره من كأس إنكلترا. قبل عامين بالتمام والكمال، جلس المدرب الإيطالي روبرتو مانشيني في مؤتمر صحافي ممتعضاً من أسئلة الصحافيين عن صحة الأنباء عن قرب إقالته، فكان يتأفف ويعتبرها أنباءً غير صحيحة ومُغرضة ولا تمت إلى الحقيقة بصلة، لكن بعدها بأسابيع قليلة نشر إعلاناً خاصاً في صحيفة محلية مُودِّعاً فيه أنصار مانشستر سيتي ويشكرهم على دعمهم له طوال فترة تدريبه. واليوم يتكرر الأمر ذاته مع المدرب التشيلي مانويل بيلغريني، الذي نفى أي أنباء عن إمكان رحيله في الصيف المقبل، بعد موسم مُخيّب في كل المسابقات. لكن لم يعد بقاء مدرب ورحيله كافياً لعلاج أزمة عميقة يعانيها النادي الطموح، فالإخفاق بات يتجذر إلى الأعماق ويشمل اللاعبين والإداريين أيضاً. والأمر لا يتعلق بخسارتين أمام برشلونة في دوري الأبطال، أو فارق النقاط مع المتصدر تشلسي، بل بشهية اللاعبين وأسلوب لعبهم. وأهم الأمور السلبية التي لم تُعالج في الفريق هي الهوية التي تعني عقلية اللاعبين وذهنيتهم، ومثال على ذلك مانشستر يونايتد بإدارة السير أليكس فيرغسون، إذ كان يملك عقلية وذهنية قوية ترفض الهزيمة، مهما كانت نوعية اللاعبين وقدراتهم، ولهذا رأيناه يتهاوى بعد رحيل السير على رغم بقاء غالبية اللاعبين، لأنهم فقدوا من يزرع فيهم هذه الروح. في حين نجد تشلسي يملك عقلية الصلابة والجدية، فهو بإدارة مورينيو مقاتل شرس وعنيد، أما أرسنال فهو فريق اللعب الجميل والسرعة العالية، هذه هي ما تميز هذه الفرق، وهذه هي عقليتها وهويتها، لكن ما هي هوية مانشستر سيتي؟ لا شك أن السيتي يملك لاعبين من بين الأفضل في العالم، لكن هؤلاء النجوم الذين تُوِّجوا أبطالاً الموسم الماضي لم يبنوا على نجاحهم، بتكريس هوية البطل العنيد الذي يرفض الهزيمة، ففي هذا الموسم خسر على أرضه أمام «العادي» ستوك، وأمام أرسنال الذي فشل في الأعوام الماضية في الفوز على الكبار إن كان على أرضه أو خارجه، لكن النتائج الأكثر خيبة، الخسارة أمام الصاعد الجديد والمغمور بيرنلي والتعادل معه على أرض السيتي، فأي رسالة تعكسهما هاتان النتيجتان؟ إذ كان لاعبو السيتي يعتقدون أن بمجرد وقوفهم في أرض الملعب سيكون كافياً لحصد النقاط والتغلب على فريق صاعد. هذا الأمر لا يحدث في «البريميرليغ»، ولهذا خسر أمام العادي وستهام وتعادل مع المتهالك كوينز بارك رينجرز وإيفرتون الذي يعاني بشدة هذا الموسم وأيضاً تعادل مع هال. في الموسم الماضي، الذي كان الأول لجوزيه مورينيو مع تشلسي في فترته الثانية، فإنه خسر لقب الدوري بسبب هذا الأمر، بفقدانه نقاطاً أمام فرق النصف السفلي من الترتيب، علماً بأنه فاز على البطل ووصيفه (السيتي وليفربول) ذهاباً وإياباً، لكنه عالج هذا الأمر، ولهذا السبب فإنه سيتوج بطلاً بعد غياب خمسة أعوام. العقلية المفقودة والهوية غير الواضحة ليسا فقط ما يعانيه السيتي، إذ لا تساعده خطط عقيمة من المدرب بيلغريني، الذي اعتمد على أكثر الخطط كآبة وحفظاً من هذا الفريق، فلم تعد هناك مفاجآت يخفيها وأوراق رابحة يستعين بها، وعندما يعاني العمود الفقري فإن الفريق ينهار، فأثرت بعض العروض السيئة لكومباني ويايا توري وسيلفا وأغويرو على نتائج الفريق، في حين رأينا أيضاً كيف كان تألق الحارس هارت يمكن أن يمنح زملاءه فرصاً للتألق. دور بيلغريني السلبي لم يتوقف على أسلوب اللعب فحسب، بل أيضاً على نوعية اللاعبين الذين جلبهم في الموسمين الأخيرين، فعندما دفع أكثر من 30 مليون جنيه لضم قلب الدفاع الياكيم مانغالا اعتقد عشاق السيتي أن نقطة الضعف في الدفاع حُلت، وأن فيرناندينو سيشكل إضافة إلى مواطنه فيرناندو في الوسط، وأن مبلغ 28 مليون جنيه لضم المهاجم ويلفريد بوني كان من المفترض أن تشكل دفعة إضافية في صراع الفريق في الدوري المحلي ودوري الأبطال، لكنها للأسف لم تكن في الوقت الآني. تُضاف إلى الصفقات المريبة التي شملت الحارس كاباليرو والجناح نافاز والمهاجم نيغريدو والمدافع ديميكيليز وصانع الالعاب يوفوتيتش، وغالبيتهم كلّفوا خزانة النادي مبالغ هائلة. وتدور الحلقة لتعود إلى نقطة الهوية المفقودة، والتي ستستدعي بكل تأكيد حلاً جذرياً، لا يتعلق بإقالة مدرب فحسب، بل التخلي عن عدد كبير من اللاعبين، على رأسهم يايا توري الذي من الواضح جداً أنه يلعب وعقله في مكان آخر، وينضم إليه المدافعون سانيا وديميكيليز وكولاروف وكليتشي، ولاعبو الوسط سمير نصري وميلنر (الذي ينتهي عقده بنهاية الموسم) ونافاز وفيرناندو ولامبارد (تنتهي إعارته)، والمهاجمان يوفوتيتش ودجيكو، وتبدأ رحلة جديدة في ضم النجوم، مع الوضع في الاعتبار قانون العدل المالي، الذي أثّر على الفريق هذا الموسم وقلّص خياراته. لكن التجديد سيتم من طريق إدارة ومدرب جديدان، إذ يؤكد بعض التقارير على أن المدير التنفيذي فيران سوريانو والمدير الكروي تشيكي بيغريشتاين سيخضعان إلى المحاسبة، مع ارتباط النادي بأسماء عدد من المدربين أمثال كارلو أنشيلوتي ودييغو سيميوني وبيب غوارديولا. والهدم قد لا يحدث بصورة تامة في وقت واحد، بل قد يأخذ بعض الوقت لاختبار الأهداف التي يريدها السيتي، فالمدرب الجديد يجب أن يكون شاباً ذو عقلية عصرية بأساليب متطورة، مثل غوارديولا أو سيميوني، ولهذا السبب إذا بقي بيلغريني مع السيتي فإنه إلى حين توافر أحد هذين المدربين.