يهمس حارس الأمن الشاب في أذن سائق حافلة صغيرة للمسافرين من بغداد الى أربيل «كناري بيه؟»، يغضب السائق: «كناري نا، كناري عيب؟». لم يكن علي الجبوري القادم من بغداد برفقة زوجته وطفلته ذات العام الواحد المريضة بتشوه خلقي بحثاً عن طبيب عراقي مشهور استقر في الإقليم هرباً من الميليشيات، يفهم كل هذا الجدل الكردي - الكردي في نقطة التفتيش الرئيسة التي تعد بوابة أربيل. وهذه النقطة، كما هو حال معظم نقاط التفتيش في مداخل اقليم كردستان، مثار استياء السائقين الأكراد والمسافرين العرب. لاحقاً، وبعد عودته من جلسة تحقيق عن سبب زيارته الإقليم وملء استمارات الدخول والمعلومات، وبعد تحمله أسلوب الضابط الجاف في التعامل معه وعائلته، علم أن مصطلح «كناري» يعني ببساطة «العرب»، وان «كناري بيه؟» تعني «هل معك راكب عربي!». الجبوري، الذي لم يزر إقليم كردستان سابقاً انبهر بمستوى الإعمار والتنظيم والأمن فيه مقارنة ببغداد، بادر للحديث مع زوجته بأن الأكراد من حقهم حماية تجربتهم». وقبل أن يترجل من السيارة قال للسائق الذي اعتذر منه بأدب عن سوء المعاملة في نقطة التفتيش «إنه يتفهم أسباب كل ذلك ويسامح، فعندما تكون داخل العراق تجربة كهذه سأكون أول المدافعين عن حمايتها». لكن حماية الاقليم، والحديث للسائق الكردي، لا تبرر «سوء المعاملة»، فمجرد أن يعرف رجل الامن بأن في المركبة عربياً «يقطب حاجبيه» وكأنه أدمن أن يتجهم في وجه العربي! ويقول إن أحداً «لا يعاملنا هكذا في بغداد، ونحن سائقون أكراد نقضي نصف وقتنا في نقاط التفتيش المنتشرة من شمال العراق إلى جنوبه». وأصبح إقليم كردستان مقراً لكبار الأطباء العراقيين - العرب. كما صار مقصداً للكفاءات الهندسية والعلمية التي وجدت فرص عمل جيدة في عملية الإعمار. ويبدو أن القضية أكثر عمقاً من كونها سوء فهم على نقاط التفتيش، فالأزمة العربية - الكردية المتواصلة على المستوى الثقافي والسياسي والقومي طوال القرن العشرين، وفشل السياسيين العراقيين من القوميتين في إنتاج خطاب سياسي هادئ ومتصالح للمستقبل بعد العام 2003، إضافة الى تأثيرات الاستثمار السياسي للخلافات على كركوك والمناطق المتنازع عليها شعبياً، عوامل تبرر أجواء انعدام الثقة التي تتوضح في شكل لافت في نقاط التفتيش. ويبدو لافتاً أن يكون سلوك نقاط التفتيش في السليمانية التي يشرف عليها حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» أقل تشدداً من عاصمة الإقليم في أربيل التي يشرف عليها «الحزب الديموقراطي الكردستاني». ويقول الملازم آرام مظفر المسؤول عن دخول العرب في نقطة تفتيش السليمانية إنه لا يستطيع التفتيش في الضمائر ليعرف بالضبط كيف يتعامل جنوده مع العرب، لكنه يشدد على أن تعليمات صارمة توجه يومياً بحسن التعامل وعكس صورة حضارية عن السليمانية واقليم كردستان. وآرام الذي درس الإعلام في بغداد قبل أن ينتقل الى السليمانية يؤكد أنه يختار حراساً يجيدون اللغة العربية لضمان حسن التعامل، «وتقتصر إجراءاتنا على منح بطاقات دخول سياحية أو عمل أو سكن في السليمانية للعرب بعد أخذ المعلومات منهم كإجراء احترازي نحاول أن يتم في أسرع وقت». ولكن يبدو أن التأخير يشمل من يحمل تلك البطاقات ومن لا يحملها. ويبرر رجل الأمن ذلك بالقول إنه «تم اكتشاف تزوير تلك البطاقات» فتعود الحكاية من بداية السطر! «جمال» السائق على خط بغداد - السليمانية لم يتردد في تقديم الشكوى الى مسؤول نقطة التفتيش عن استخدام تعبير «كناري» في وصف العرب، مثلما اشتكى من محاولة توريط السائق بإجباره على أن يخبر الحارس بأنه يحمل مسافرين عرب. وهذا الأمر، كما يقول، «لا ينسجم مع أخلاقنا الكردية».