يبدي أصحاب السيارات أيام المناسبات العامة تساهلاً نادراً مع الفوضى العارمة في الشوارع، كما حصل في الأسبوع الماضي مع التحضيرات لعيد الأضحى، جراء خروج الناس شيبة وشباباً نحو أسواق الخرفان، واختلاط الحيوان والبشر في كل مكان واتجاه. وضع السائقون النزقون أعصابهم وحبّهم السرعة واختراق القانون في الثلاجة ريثما يدخلها الخروف، وعادوا إلى قيادتهم بهيجان «دموي» مطيحين بالأرواح كما هي عادتهم، فهم يزهقون يومياً 11 روحاً من أرواحهم في اليوم، والمخالفات من دون حوادث قاتلة مسألة أكثر من عادية... في أيام المناسبات العامة يبدون أكثر تفهماً. ويبدي بعض المارة من جهته، تجاهلاً تاماً لحركة السيارات في الطريق بينما يقطعها على مهل أو جاراً وسطها عربات يدوية أو أحمالاً خاصة. يخرج سائق رأسه من نافذة سيارته بينما يخفض السرعة كثيراً، وبدل أن ينهال على الشاب بالشتم، كما هو متوقع في مثل هذا الموقف، لأن الشاب خرج فجأة بين العربات المتوقفة على قارعة الطريق وقطع الطريق بلا انتباه، يثني على مثابرته، ويسأله عن سعر الخروف الذي كان يحمله فوق كتفيه من سوق الخرفان، متوجهاً به إلى الطرف الآخر حيث كانت تقف أسرة في انتظار أضحيتها لوضعها في سيارة خاصة. ومع أن رأس الشاب اختفى بين الصوف وقوائم الخروف الأربعة التي جمعها الشاب حول عنقه كي لا يفلت الحيوان، فإن صوتاً قوياً يصعد من بين تلك «الكومة البشرية - الحيوانية» مطلعاً السائل عن سعر الكبش. يرد السائق على عادة المغاربة في مناسبة حديثهم عن أضحية العيد: «الله يجعله أضحية»، ثم يواصل طريقه على مهل، بينما يتطلع إلى الحركة الدائبة من حوله، آملاً أن يلقى أحداً آخر قريباً من الطريق يسوق خروفه ليستكمل فكرته عن أسعار الأضحية. يمر شاب آخر من أمام مجموعة فتيات مسرعاً، فتقول إحداهن هازئة انها حسبته خروفاً من رائحته النفاذة الشبيهة برائحة الخرفان. كان ذاك حمالاً آخر عائداً بسرعة إلى السوق بعدما أوصل خروفاً على كتفيه إلى منزل أصحابه. عليه أن يسرع، فالحمالون أصبحوا كثراً في السنوات الأخيرة، وتطورت طرق أعمالهم، إذ إن منهم من يشغل معه صبياناً يبحثون له عن الزبائن بمقابل، ومنهم من يشغلهم أيضاً في بيع الحبال التي تصبح عملة نادرة في أسواق العيد ويرتفع ثمنها. في عيد الأضحى في السنتين الماضيتين، عمل سعيد حمالاًَ للخرفان مدة ثلاثة أيام قبل العيد. إنها أيام الذروة والرواج بالنسبة لأمثاله. أتعبته الأحمال كثيراً، خاصة أنها تتحرك فوق الكتفين، وتحتك أجزاؤها السفلى المتسخة بالفضلات بجلد عنق حاملها ورأسه. ظلت رائحة سعيد مختلطة برائحة الخرفان أياماً أخرى بعد العيد، على رغم أنه كان يستحم جيداً بعد كل يوم عمل. لذلك عزم في هذه المناسبة على تطوير أسلوب عمله، خاصة بعدما أصبح لديه زبائن يعرفونه، و «يتعاقد» معهم قبل خروجهم لشراء الأضحية بأيام. اشترى سعيد عربة يدوية قبل العيد بأسبوع، في الأيام الأولى حمل فيها قطع التبن وأكياس العلف إلى بعض المحلات والمستودعات أسفل المنازل التي يحولها أصحابها إلى محالٍ كبرى لبيع الخرفان ومستلزماتها. وفي الأيام الأخيرة، ركز نشاطه على زبائن سوق الخرفان. يخرج فجراً إلى السوق ليفاوض الباعة كي يحصل على وعود بالنداء على خدماته: «إنهم يقترحون على المشتري حمل الخروف إلى المنزل على حسابهم كتسوية للسعر أو هدية، ثم يطلبون مني حمل الخروف والعودة لأخذ أجري، مقابل بعض الخدمات». يقدم سعيد مقابل رفع فرص عمله بواسطة الباعة خدمات من قبيل حراسة خرفانهم أثناء عملية البيع، وتلبية بعض حاجاتهم الأخرى، مثل شراء الطعام والشراب لهم، وإخبارهم عن حال العرض والطلب في جنبات السوق التي يتحرك فيها. بعد أيام من العيد، تكون الشوارع والأزقة القليلة الحركة لا تزال غارقة في حالة مزرية من التلوث ومخلفات الكلأ والروث وبقايا الرؤوس التي يشرف عليها شباب الأحياء في الخارج. وهذه الوضعية تعتبر نقطة سوداء في احتفال المغاربة بعيد ديني يقوم على أساس النظافة. لذلك، نشطت في الآونة الأخيرة جمعيات أهلية تعمل على توعية سكان الأحياء فترة قبل حلول عيد الأضحى خصوصاً بضرورة الحفاظ على نظافة الفضاء العام، واستخدام وسائل الحفاظ على البيئة. لكن هؤلاء يشتكون من أن الأسر والمؤسسات التعليمية لم تنتبه بعد إلى استقالتها من هذه المهمة، فبينما تدرّس الأخيرة النشء المظاهر الكبرى لتلوث البيئة، من انحباس حراري وذوبان جليدي وجفاف وتلوث صناعي، تغفل الأولى تعليم أبنائها أسس الإيمان المبني على النظافة، ويقتصر التنظيف على ما يوجد بداخل الجدران الأربعة لمنازلها.