تفاءل الكثيرون غيري بالإعلان عبر وسائل الإعلام المختلفة أن هناك تغيراً كبيراً سيحصل في المناهج الدراسية هذا العام في المملكة العربية السعودية، وأن هناك اختصاراً لبعض المواد المقررة، ودمج بعضها في بعض، أي إعادة هيكلتها، وأن المواد العلمية ستخصص لتدريس العلوم فحسب، بعيداً من الناحية الدينية، وفقاً لمناهج المواد العلمية في الدول المتقدمة، أو على الأقل أسوة بمناهج المواد العلمية في معظم الدول العربية. إن المتابع لطبعات الكتب المقررة المؤرخة لسنة 1430/ 1431ه، التي وزعت على طلاب وطالبات المملكة لم يلمس أي تغير يذكر في هذا الاتجاه، ولنأخذ على سبيل المثال مقررات المواد العلمية للسنة الأولى للمرحلة الثانوية «العلمي»، التي من المفترض أن تكون مواد علمية بحتة، وعلى رغم وجود 18 مادة ومقرراً لديهم في كل فصل دراسي، بينها أربع مختصة بالأمور الدينية والعقدية، هي الحديث، التوحيد، القرآن، الفقه، فقد حُشر كثير من المواد الدينية في المواد العلمية البحتة، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر لضيق المكان في هذا المقال: في كتاب مادة الرياضيات، جاء في «ص 11»، تحت عنوان «ومن أمثلة الجمل الخبرية»: خلق الله الجن والإنس لعبادته. أحل الله البيع وحرم الربا. رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله. يتجه المسلم في صلاته شطر المسجد الحرام. ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. الزكاة ركن من أركان الإسلام. وفي «ص 13» وتحت عنوان «العبارة البسيطة والعبارة المركبة» نجد أن العبارة «إن الله يحب المحسنين» عبارة بسيطة، في حين أن العبارة «ما عندكم ينفد وما عند الله باق» عبارة مركبة. وجاء في الصفحتين «14 و15» ما يأتي: «عيّن العبارات في الجمل مع ذكر السبب: المؤمنون إخوة. يا علي أكرم ضيفك. يا ليت نفسي تحدثني بالجهاد في سبيل الله. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك». وفي «ص 17»: تكون العبارة المركبة «آ 8 ب» صائبة في حالة واحدة فقط. لنفترض أن «آ»: تعني: يحب المؤمن الجهاد. (ب): لا يكره لقاء العدو. «ويُلاحظ هنا تكرار كلمة الجهاد في هذه الصفحات القليلة وكأننا نقرأ كتاباً من تأليف سيد قطب أو أحد منظري القاعدة». وجاء في «ص 23» منه النص الآتي: «أوجد العبارات البسيطة المكونة لكل عبارة مركبة في ما يأتي: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. الصلاة والزكاة والحج من أركان الإسلام. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى». وفي «ص 30» تحت عنوان «طرائق البرهان» ورد النص الآتي: فمثلاً العبارة «يجوز أن يعتنق الإنسان ديناً غير دين الإسلام» عبارة خاطئة. وبرهاننا عليها قوله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه). حاول أن تورد أمثلة مشابهة وتحكم عليها «وفق الكتاب والسنة». وفي «ص 32» تحت عنوان «البرهان المباشر» ورد النص الآتي «وعلى سبيل المثال، تعلم من دراستك في الحديث أن جبريل أتى النبي وصحبه ليعلمهم أمر دينهم، فبين لهم معنى الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان. فإذا فرضنا أن (آ) تعني: خالد رجل محسن، (ب) تعني: خالد رجل مؤمن، (ج) تعني: خالد رجل مسلم، فإنه وفق مراتب الإسلام آ ب، ب ج، ومن الواضح أن آ ب؛ لأن الإحسان أعلى مرتبة من الإيمان، والإيمان أعلى مرتبة من الإسلام». يُلاحظ أن هناك بعض الأخطاء ارتكبها من حشر هذا النص الديني في طريقة هذا البرهان الرياضي. فعلى سبيل المثال. جبريل عليه السلام نزل على النبي ولم ينزل على أصحابه. ثم بيل غيتس صاحب شركة الكومبيوتر المشهور يُعرف عنه سخاؤه الكبير لفقراء قارة إفريقيا. فلا يصح أن نقول: بيل غيتس رجل محسن، تعني: بيل غيتس رجل مؤمن، تعني: بيل غيتس رجل مسلم. في كتاب مادة الكيمياء جاء في «ص 12» النص الآتي: « إن علم الكيمياء أحد العلوم الكونية التي طورها أجدادك علماء صدر الإسلام». إن عبارة «صدر الإسلام» تعني عهد رسول الله وعهد الخلفاء الراشدين، ولا تتضمن كتب الحديث والسير والتاريخ الإسلامي تراجم لعلماء الكيمياء في ذلك العهد. ففي زمن الرسول وصحابته الكرام، رضوان الله عليهم، كان المتعلمون من المسلمين مشغولين في تدوين القرآن الكريم والسنة، وبالفتوحات لتثبيت أركان الدولة الإسلامية. ولم نسمع عن أي محاولات لتجارب كيماوية. وفي «ص 21» ورد النص الآتي: «إن تعلم الكيمياء يقودنا إلى توحيد الله والإيمان به وعبادته وشكره سبحانه وتعالى لقوله: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون). وأرى أن هذا الاستشهاد ليس له علاقة بالموضوع. وفي «ص 49» تحت عنوان «خرائط المفاهيم» ورد النص الآتي: «إن المفهوم يعبر عنه بقوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها). وفي «ص 55» وتحت عنوان «ما المادة ؟» جاء النص الآتي «مثل الهواء والفحم والحجر والورق. قال تعالى: (الله خلق كل شيء وهو على كل شيء وكيل). وفي «ص 64» ورد النص الآتي «لا شك أن الاستعمالات الكيماوية كانت معروفة قبل الإسلام. قال تعالى: (ثم أتبع سبباً) إلى قوله تعالى: (عليه قطراً). ماذا يفيد الطالب الاستشهاد بصفحة كاملة من القرآن الكريم لإثبات أن الحديد هو مركب كيماوي؟ وفي كتاب مادة الفيزياء، في «ص12»، وتحت عنوان «منهج العلم في القرآن الكريم» ورد النص الآتي: «إن الكون خاضع لسنن إلهية، وإن الإنسان مأمور بالنظر والتفكر والاعتبار». وفي «ص 16» تحت عنوان «اشتقاق القوانين» وردت آية قرآنية ليس لها علاقة بالموضوع البتة، وهي الآية الكريمة (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار). وفي «ص 92» وتحت عنوان «الحرارة النوعية للماء وأثرها» ورد النص الآتي: «الحرارة النوعية للماء ليس مصادفة، بل هو تقدير إلهي. قال تعالى: (إنّ كل شيء خلقناه بقدر). وفي «ص 121» وتحت عنوان «البرق» ورد تعريفه على الشكل الآتي: «من آيات الله العظيمة يدركها العاقلون، قال تعالى: (ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون). وفي «ص 131» وتحت عنوان «ترشيد استخدام الكهرباء» ورد النص الآتي «قد نهانا تعالى عن الإسراف. قال تعالى (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين). وفي كتاب «مادة الأحياء» في «ص 12»، جاء: «قال تعالى: (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) فعندما ندرس الأطوار الجنينية لخلق الإنسان وتكونه نعلم علم اليقين أن هذا لم يكن بمحض الصدفة «الأصح بالمصادفة المحضة». قال تعالى: (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق). وفي «ص 34» تحت عنوان «جسم المخلوق الحي» ورد: «قال تعالى: (ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي وما أتيتم من العلم إلا قليلاً). * باحث في الشؤون الإسلامية