الطرقات المكتظة التي كان المرور بينها منذ يومين يعد ضرباً من ضروب الخيال بدت خاوية فسيحة يوم أمس، والضجيج الذي خيم على المكان طويلاً استحال سكوناً أحكم قبضته على المخيمات والباحات وكل الطرقات رغم هدير محركات بعض الحافلات التي تمر من هنا خاوية بين الفينة والأخرى. هكذا بدا المشهد في مشعر منى مساء أمس، بعد أن انفض سامر ضيوف الرحمن، إثر مغادرة آخر فلول الحجاج المتأخرين الذين باتوا ليلة إضافية لتخيم السكينة على المشعر الحرام مرة أخرى، إثر توديعه لجموع الحجيج الغفيرة التي رسمت على أرضيته أروع تجمع ديني، نجح باقتدار في رسم صورة مثلى وأنموذج يحتذى به في المقدرة السعودية الجبارة على توفير الأجواء الروحانية الآمنة لتمكين ضيوف الرحمن من حجاج بيته العتيق من أداء كافة شعائرهم ومناسكهم الدينية في هدوء وسكينة. نامت منى وحيدة البارحة، وغابت عنها تموجات أفواج الحجيج، واكتظاظات أكوام الحديد، وسكنت من عبارات التلبية والتكبير، وتلاشت تلك اللوحة البيضاء الجميلة التي رسمتها عليها أفواج الحجيج الذين ودعوها، ولم يبق داخلها سوى قلة من موظفي الدولة، وكثير من عمال النظافة، وشرذمة من الباعة الجائلين افترشوا مدخل مشعر منى الشمالي، ناثرين على تلك الأرصفة والطرقات كثيراً من السلع المتنوعة والأغراض المتعددة قدمت من كل مكان بعد أن رسم أعضاء تلك «الثلة» صورة مثلى للكرنفالات التجارية العالمية، وما جوار البائعة الإفريقية حواء محمدو التي اصطحبت معها بعض الأزياء من بلدها ، على أمل بيعها هنا، التصاق بضائعها بسلع الحاج الأوزباكستاني إبراهيموف بائع «المناظير» والخناجر. ووسط أكوام من المخلفات وعلى كثير من القاذورات أوقف البائع اليمني علي حسن عربته التي كانت محملة عن بكرة أبيها يوم أول من أمس بعشرات الكيلوات من الفواكه، لكنها غصت أمس بكثير من الإكسسوارات والحلى النسائية بعد أن غير نشاطه التجاري، وقرر المشاركة في هذا البازار العالمي، رغبة في جني أكبر نصيب من كعكة موسم الحج. «الرزق يحب الخفية، ولا ضير من أن أكسب المزيد من المال، ببيع سلعة أخرى، خصوصاً أنها ستجد رواجاً كبيراً لا محالة، إذ أن الكثير من العائلات المكية تحرص على الحضور إلى هذا السوق السنوي لشراء السلع الخارجية الصنع، والأغراض الغريبة، ذات الأسعار البخسة»، ويراهن البائع اليمني على رواج تجارته ويثق في تهافت النسوة عليها، «رغم أنني اشتريتها البارحة من أحد أسواق جدة».