يقود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، مشروعاً إصلاحياً متعدد الأطر في المملكة، ومن أهم ما يقوم عليه هذا المشروع الإصلاحي الرعاية والاهتمام بالإنسان، بوصفه قيمة رفيعة يجب أن تتسلح بالعلم والقدرات المطلوبة في مسيرة التنمية الوطنية، ومن أهم ما يتضمنه هذا المشروع التحديثي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، الذي يصل فيه إعداد الطلبة والطالبات إلى الآلاف، الذين ينهلون من العلوم والمعارف في تخصصات مختلفة وفي جامعات مرموقة، موزعين في بلدان متقدمة في قارات العالم، إضافة إلى إنشاء كثير من الجامعات داخل المملكة، قسمت على المناطق بطريقة عملية، إذ أصبح أبناء المناطق يحصلون تعليمهم في مناطقهم؛ ما يخفف الضغوط ويربك العملية التنموية في المراكز الكبيرة، التي أصبحت تعاني من المشكلات المتعددة. في تأكيد خادم الحرمين الشريفين على رعاية الإنسان فوق هذه الأرض الطاهرة، صدرت موافقته بداية هذا الشهر على برنامج نشر ثقافة حقوق الإنسان، الذي يخول هيئة حقوق الإنسان بوضع البرامج والسياسات للرقي والتوعية بحقوق الإنسان، والذي نتمنى ألا تتأخر هيئة الإنسان في الشروع في تنفيذ هذا البرنامج المهم علي الصعيد الوطني. إن إنشاء هيئات لحقوق الإنسان في عهد خادم الحرمين الشريفين دليل على مضيه في هذه المسيرة الإصلاحية، لكن من دون ثقافة حقوق الإنسان سيتطلب الوصول إلى ما أسست من أجله تلك المؤسسات لسنوات طويلة حتى تحقق أهدافها خاصة، إننا نعرف أن مثل هذه الثقافة غير موجودة في مجتمعاتنا، ومع أن ديننا الإسلامي يعطي الإنسان حقوقه كاملة، فالتطبيق في هذا السياق غير موجود بسبب اختلاط العادات والتقاليد، مع الخطأ في تفسير بعض النصوص الدينية، إذ نجد بعض السلوكيات الثابتة تفسر على أنها نصوص وأوامر دينية، وهي في الحقيقة من العادات التي تستغل من بعض فئات المجتمع ضد البعض الآخر، خصوصاً النساء والأطفال. وما يثير الاستغراب في ظل التوجه الرسمي والأهلي لنشر حقوق الإنسان والمدافعة عنها ما قامت به وزارة التعليم العالي منذ أسابيع، في منعها ضم طالبة سعودية «أمل الخليفة» إلى البعثة في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، إذ قبلت في تخصص قانون حقوق الإنسان في جامعة هارفارد الأميركية، وعللت الوزارة بأن مثل هذا التخصص غير مدرج في التخصصات التي يشملها الابتعاث، مثل هذا السبب يثير الاستغراب، فإذا كان هناك توجه رسمي لنشر ثقافة حقوق الإنسان في المملكة، فإن عدم إدراج مثل هذا التخصص يثير العجب والتساؤلات، ولنفترض أنه غير موجود في قائمة التخصصات الموافق عليها من الوزارة، فإنه يجب مراجعة مثل هذه القوائم، فهي ليست ثابتة ومقدسة، ويجب أن يكون لها مراجعة سنوية تتماشى مع الظروف والمتغيرات الداخلية، التي تؤكد علي أهمية حقوق الإنسان، وذلك عن طريق تأسيس مؤسسات رسمية وأهلية لمعالجة القصور في هذا الجانب. والمؤمل من وزارة التعليم العالي أن تأخذ على عاتقها جزءاً كبيراً في الارتقاء بهذا الجانب المهم في كل مجتمع، سواء عن طريق إدراج محاضرات أو حتى تضمين بعض المواد الجامعية لمبادئ وثقافة حقوق الإنسان، إضافة إلى تشجيع الطلبة والطالبات لدرس هذا التخصص في الجامعات الأجنبية التي يبعثون إليها، حتى يأتي جيل لديه التخصص العلمي في هذا المجال، والغريب أن وزارة التعليم العالي في الداخل تعمل على دفع بعض الجامعات إلى تبني ونشر ثقافة حقوق الإنسان، فمثلاً يوجد كرسي علمي لدرس حقوق الإنسان في جامعة الإمام محمد بن سعود، وهذا يحمد للوزارة والجامعة، لكن التساؤل هو لماذا هذا التناقض بين سياسة الوزارة في التبني والاهتمام بموضوع حقوق الإنسان في الداخل ومنع بعض المبتعثات من درس هذا التخصص المهم في الخارج؟ [email protected]