خلال حوالى عقدين من الزمن، شنّ الجيش الأميركي حروباً في العراق، شهد رئيس أركانه الحالي الجنرال مارتن ديمسي عليها كلها، من حرب الخليج الثانية في 1991 الى غزو العراق في 2003 وصولاً الى اليوم. وفيما كان ديمسي (62 عاماً) يتوقع أنه سيترك العراق خلفه ليركّز على تهديدات جديدة، أعاده تنظيم «داعش» الى تلك البلاد قبل أن تختفي أصداء الحروب السابقة. توجّه ديمسي الشهر الجاري الى بغداد ووجد نفسه محاطاً بمشكلة أعادته الى الماضي، وهي ليست سوى الانقسام المذهبي الواسع في العراق. وبعد يوم كامل من الاجتماعات، قال وعلامات القلق تبدو على وجهه إن الحوارات كافة التي أجراها بدت مألوفة. وبعدما حلّق فوق بغداد بمروحية عسكرية، لاحظ أنه بالإمكان رؤية الكثير من الأعلام والشعارات التابعة لميليشيات شيعية مرفوعة فوق المباني، مشيراً الى الزيادة المفرطة في الأعلام من دون رؤية العلم العراقي بينها إلا نادراً. ومنذ أكثر من عشر سنوات، قاد ديمسي فرقة المدرعات الأولى في بغداد في الوقت الذي اندلعت أعمال العنف المذهبية بين الشيعة والسنة. وبعد ذلك، تسلّم مسؤولية تدريب الجيش العراقي. إلا أن ممارسات الحكومة شكلت خيبة أمل كبيرة. واليوم يحمل ديمسي معه، كرئيس لهيئة الأركان المشتركة، خبرة جمعها خلال سنوات ليضعها في مهمته الجديدة في العراق. ودعا الحكومة العراقية برئاسة حيدر العبادي الى الالتزام بتعهداتها لتخطي الأزمات المذهبية. وقال إنه «تلقى كل الضمانات من المسؤولين العراقيين في ما يتعلق بالتزامهم المصالحة»، مؤكداً ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية. وقال: «ينتابني بعض القلق إزاء صعوبة إبقاء التحالف للمضي في مواجهة التحدي (...) ما لم تضع الحكومة استراتيجية وحدة وطنية سبق أن التزمت بها». وشكّل العراق جزءاً أساسياً في مهنة ديمسي وأبناء جيل كامل من العسكريين. وبالنسبة إلى هؤلاء الجنود الذين خدموا خلال ثماني سنوات من احتلال العراق حتى 2011، فإن مشاهدة الجيش العراقي ينهزم أمام «داعش» أمر صعب. ويقول الجنرال المتقاعد بيتر تشياريلي الذي خدم في العراق خلال الفترة ذاتها مع ديمسي، إن «التجربة كانت صعبة حين كنا هناك. إلا أنها تبقى بالصعوبة ذاتها بعدما عدنا الى بلادنا وشاهدنا كل شيء ينهار». ويتذكر تشياريلي سفك الدماء خلال النزاع المذهبي، وغضبه من الحكومة بقيادة نوري المالكي التي فشلت في إجراء المصالحة في البلاد. وفي عام 2006، أبلغ أصحاب القرار بأن إرسال المزيد من القوات الى العراق، لن يساهم أكثر من كونه «ضمادة جروح» إذا لم يتم التعامل مع النزاع المذهبي الدائر. وبعد حوالى عقد على ذلك، ما زال تشياريلي يصرّ على الرأي ذاته في ما يتعلق بالمهمة الأميركية الحالية ويقول: «لا نستطيع أن نعيد الأخطاء ذاتها التي ارتكبناها خلال السنوات الثماني الماضية». الأمر ذاته أكده ديمسي حين قال إن جهود الحرب ضد «داعش» محكوم عليها بالفشل إذا لم تنجح بغداد في الالتزام بتعهداتها. وأتت زيارته العراق بعد أسبوع من بدء نحو 30 ألف عنصر من الجيش والشرطة وفصائل شيعية مسلّحة وأبناء عشائر سنية، عملية واسعة لاستعادة تكريت (110 كلم شمال بغداد) ومحيطها. وحذّر ديمسي خلال زيارته مما قد تؤول إليه الأمور بعد معركة تكريت، كونها ستشكل اختباراً لقدرة الحكومة العراقية على كبح ميليشياتها والالتزام بتعهداتها تجاه السنة. وأثارت عملية تكريت مخاوف من عمليات انتقام، لا سيما أن عدداً من قادة الفصائل الشيعية اعتبروها ثأراً لمجزرة قاعدة سبايكر العسكرية التي راح ضحيتها مئات المجندين الشيعة في حزيران (يونيو) الماضي. وبرزت خبرة ديمسي في العراق في رسالة بعث بها الى مجلس الشيوخ عام 2013، طلب فيها الحذر قبل التورط في عملية عسكرية في سورية، التي سيطر «داعش» على أراض واسعة منها في هجوم وحشي. وكتب: «تعلمنا من السنوات العشر الماضية، أن تعديل كفة الميزان العسكري ليس كافياً من دون الأخذ في الاعتبار بحذر ما هو ضروري للحفاظ على دولة فاعلة». وخلافاً للمرة السابقة، لا ينتشر الجنود الأميركيون على الأرض، وليس هناك سوى استشاريين ومدربين. وفيما تشنّ الطائرات الأميركية غارات على «داعش»، تحارب القوات العراقية وقوات «البيشمركة» الكردية على الأرض. وعقد ديمسي مؤتمراً صحافياً في بغداد في نهاية زيارته، وقال إن «هذه الحرب ليست حرباً يخوضها الأميركيون، إنها حملتكم والولايات المتحدة تدعمكم».