منذ أكثر من 100 عام، تشهد دولة ميانمار «بورما» (جنوب شرقي بنغلاديش) العديد من التطورات والحروب العرقية، والتي تهدف إلى تطهير المسلمين في إقليم «آراكان» (غرب البلاد) عرقياً من البوذيين هناك، وبرغم الحشد الدولي لمناصرة هذه الأقلية المسلمة التي تعاني الظلم والاضطهاد على الأصعدة كافة، إلا أن مساعي تلك المنظمات والدول باءت بالفشل في تحقيق العدالة والتعايش الديموقراطي. ففي العام 2010 أجريت أول «انتخابات ديموقراطية» في ميانمار كما وصفتها الحكومة منذ 20 عاماً، والتي فاز بها مؤيدو الديموقراطية بعضوية البرلمان، إلا أن تلك الانتخابات لم تنجح في إقامة علاقات سياسية جيدة مع الحكومات الكبرى على مستوى العالم، وذلك لنصرة الأقلية المسلمة، ولم تكن غير تطورات متناقضة للصوت الديموقراطي المنتخب، في مقابل تقدم هش نحو الديموقراطية، الذي لا يزال الطريق أمامه طويلاً. وبحسب التقارير الدولية والمراصد الخاصة بحقوق الإنسان أظهرت أن مأساة ومحنة مسلمي «الروهينغيا» التي مارستها عليهم الجماعات المتطرفة من القمع والظلم وعمليات التطهير العرقي أدت إلى تهجير حوالى أربعة ملايين نسمة من ديارهم، ومقتل نحو 200 ألف منذ خروج الاستعمار البريطاني حتى الآن. يقول شيخ الجالية البرماوية في السعودية أبو الشمع عبدالمجيد خلال حديثه إلى «الحياة» إن مسلمي الروهينغيا البالغة نسبتهم 15 في المئة من نسبة السكان في ميانمار، عانوا من جور الحكومة البورمية ردحاً من الزمن، إذ تسعى الحكومة مستميتة للتصفية الجسدية والتطهير العرقي وحملات الإبادة ضد المسلمين، وتهجيرهم وتشريدهم من الوطن، ومن جانب آخر تدفعهم إلى المعاش المتردي وتفتح المجال أمام المنظمات التنصيرية الدولية التي تعمل تحت شعار الأعمال الخيرية لإخراج هؤلاء المسلمين البائسين عن دين الإسلام. ويضيف: «يواجه العالم الإسلامي اليوم كثيراً من قضايا دولية ومحلية مشتركة، كما أنه يعاني من المشكلات التي تخص الدولة أو المنطقة، فيتحتم على العلماء النظر في القضايا الدولية وبذل قصارى جهودهم لإيجاد الحلول للمشكلات». ويؤكد أن منطقة «آراكان» كان تاريخ المسلمين فيها مشرقاً، إذ أدّوا دوراً أساسياً في تعميرها، وحضارة وثقافة جديدة، فهذه المنطقة رغم كونها أرضاً موروثة للمسلمين من آبائهم وأجدادهم، حكم المسلمون فيها لمدة ثلاثة قرون ونصف القرن، مضيفاً: «إلا أن المسلمين اليوم يتعرضون فيها للذل والهوان، ولا يعيشون فيها إلا حياة العبودية بل يعتبرون أجانب». «تعريف» ربع مليون «برماوي» أكد شيخ الجالية البرماوية في مكةالمكرمة أبو الشمع عبدالمجيد خلال حديثه إلى «الحياة» أن عدد البرماويين الذين تم تعريفهم في السعودية بلغ ربع مليون نسمة. ويوضح عبدالمجيد، أن أبناء جاليته يعيشون على أرض المملكة العربية السعودية منذ نحو 77 عاماً، قادمين من وطنهم نتيجة لما يعانونه من ظلم وتعذيب من الحكومة الروهينغية والجماعات المتطرفة، والتنكيل بالمسلمين في بلادهم، مثمناً دور الحكومة السعودية في مساعدة الشعب البرماوي، والوقوف في صف المسلمين ضد عمليات الإجرام في بلادهم. ويؤكد أن الإجراءات التصحيحية الأخيرة التي أقرتها الحكومة السعودية، ممثلة في إمارة منطقة مكةالمكرمة وتوجيهات الأمير خالد الفيصل في منح الإقامات المجانية لأبناء الجالية، أسهمت في حل العديد من المشكلات التي كانت تواجههم، وتسهيل سبل التنقل والإقامة من خلال إصدار الإقامات التعريفية لأبناء الجالية البرماوية. وأشار إلى أن الأبناء الذين كانوا يدرسون في المدارس الخيرية الأهلية الخاصة بالجالية أصبح بإمكانهم بعد منحهم الإقامة الدراسة في المدارس العامة، منذ المرحلة الابتدائية وحتى المرحلة الثانوية. وبيّن أن عدد أبناء الجالية البرماوية في السعودية يقدر بأكثر من ربع مليون نسمة والذين تم تعريفهم حتى الآن، وذلك من خلال لجنة تصحيح أوضاع الجالية البرماوية في إمارة مكةالمكرمة، واعتماد التعرف من مجالس الأحياء المتعددة في المنطقة، والتي أسهمت في تفويج العديد من أبناء الجالية وتسهيل إجراءاتهم، مفيداً بأن مميزات الإقامة التي تمنحها السلطات السعودية للجالية تساعد على تسهيل التنقل والعمل والدراسة والصحة، «إذ إنها أهم ما يميز الإقامة»، وعن أبرز الأنشطة والأعمال التي يزاولها أبناء الجالية، قال: «يغلب على الجالية البرماوية العمل في مجال البناء والمقاولات والمهن الحرفية الأخرى، إضافة إلى تعليم القرآن وحلقات الذكر في المساجد». 1948 أول دفعة مهاجرة للمملكة.. ومطالبات بمقاعد دراسية في «معاهد التدريب» و«الجامعات» الفرار بالدين من نار البوذية والاستبداد إلى أرض الحرمين، كان أول القرارات التي اتخذها المسلمون البرماويون للهرب من تنكيل الجماعات المتطرفة في بلادهم والحكومة الموالية لها، إذ جاءت تلك الدفعات إلى المملكة العربية السعودية في عهد مؤسسها الملك عبدالعزيز تطلب الأمن والاستقرار، وذلك منذ العام 1948 إلى 1950. ويوضح الأمين العام للجالية البرماوية في السعودية عبدالله معروف أن تعامل السعودية في عهد مؤسسها مع المسلمين البرماويين اللاجئين إليها، أضاء الدرب لكثير من العائلات والمسلمين للهرب من سطوة الحكومة البوذية إلى أرض الحرمين، والتي تتابعت الهجرات منذ العام 1948 وحتى العام 1971، وكانت أول هجرة على الأقدام ل12 فرداً استمرت لعام كامل في العام 1955، إذ لم يصل منهم سوى شخصين فقط وتوفي الآخرون لظروف السفر ومشقة السير. ويبيّن ل «الحياة» أن الوضع الاجتماعي للجالية البرماوية في السعودية دون المتوسّط وغالبيتهم من الفقراء، إذ ليس لهم دخلٌ غير الدخل البسيط الذي يحصلون عليه من المهن التي يعملون فيها، والتي لا تتجاوز رواتبها 500 إلى 900 ريال، إضافة إلى أن غالبية البرماويين (الآباء) ينخرطون في الأعمال المهنية، كالسباكة والنجارة والكهرباء والبناء، لافتاً إلى أن الذين يحملون الجنسية السعودية من أبناء الجالية، انخرطوا في خدمة الدولة عبر الوظائف الحكومية، أو القطاع الخاص. ويشير إلى أن غالب أبنائها الذين نشأوا في السعودية يفضّلون التدريس في المدارس الخيرية وحلقات التحفيظ، وإمامة المساجد بعد حفظهم القرآن الكريم، وحصولهم على شهادات الثانوية أو المرحلة العالية، أو العمل في المكتبات أو كسائقين، مبيناً أن 70 في المئة من أبناء الجالية الصغار يدرسون في المدارس الخيرية أو الحكومية، وملتحقون بحلقات تحفيظ القرآن الكريم. وأفاد معروف بأن الجالية البرماوية في السعودية تتطلع إلى السماح لها بالعلاج في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، أو حتى برسوم مخفضة، خصوصاً في الحالات الصحية الضرورية كالأمراض المزمنة، والولادة، إضافة إلى فتح معاهد التدريب الخاصة لأبناء الجالية للانخراط في الأعمال المهنية في سوق العمل السعودي، والمشاركة في النهضة التنموية للمملكة، وتوفير مقاعد دراسية في الجامعات والمدارس. وأضاف: «ندعو من خلال الوضع الأمني إلى فتح أطر التنسيق والتعاون والتواصل مع الجهات الأمنية في القضاء على أسباب الانحراف، وتكوين مجلس اعتباري يعتمد من الجالية ليكون حلقة وصل بين الجالية وبين الجهات المعنية، ذات العلاقة المباشرة بالأوضاع الاجتماعية والأمنية». «منظمة التعاون» تنشئ مركزاً وصندوقاً مالياً لمسلمي «الروهينغيا» حملت منظمة التعاون الإسلامي على عاتقها لواء الدفاع عن الأقلية المسلمة الروهنغية في المحافل الدولية كافة، وأخيراً في مجلس الأمن الدولي التابع للمنظمة العالمية للأمم المتحدة، وذلك بإرسال فريق الاتصال الوزاري في التعاون الإسلامي المعنى بأقلية الروهينغيا المسلمين إلى نيويورك، لبحث القضية عالمياً، إضافة إلى إنشاء صندوق خاص لإعادة إعمار وإعادة تأهيل ولاية آراكان برعاية التعاون الإسلامي. وفي ما يختص بزيارة الوفد الوزاري إلى نيويورك، نتجت منها في نهاية العام 2013 استجابة حكومة ميانمار لطلب منظمة التعاون الإسلامي بالترتيب لزيارة الأمين العام، ووفد وزاري من فريق الاتصال المعنى بالروهينغيا إلى ولاية راخين، ومناطق أخرى عدة يقطنها مسلمون في ميانمار للوقوف على أوضاعهم. فيما دشنت المنظمة في وقت سابق مركز الروهينغيا العالمي في مقر المنظمة، الذي يهتم بحماية حقوق أبناء شعب الروهنغيا وتحسين ظروف معيشتهم أينما كانوا، مؤكدة أن المركز سيؤدي وظيفة إعلامية بحيث يتيح معارف أساسية ومعلومات محدثة لإعداد تقارير عن قضايا الروهينغيا تتسم بالدقة والعمق، بغية مساعدة المنظمات الدولية على وضع الخطط لمد يد العون بقصد التخفيف من محنة أبناء شعب الروهينغيا. وفي تقرير عن المركز الروهينغي، أوضح أن العنف في بورما لم يتوقف منذ اندلاع شرارته في ولاية آراكان غرب البلاد، لتشمل مدناً ومناطق أخرى، خصوصاً في مدينة ميكتيلار في منطقة مندلاي بوسط البلاد، والتي راح ضحيتها عشرات من المسلمين، إذ جرى إحراق منازلهم وممتلكاتهم التجارية والسكنية، فضلاً عن حرق ثمانية مساجد، وعدد من المدارس، الأمر الذي أسفر عن فرار المئات بعائلاتهم. من جهته، أكد المدير العام لاتحاد آراكان روهينغيا الدكتور وقار الدين في وقت سابق ل «الحياة» أن حكومة ميانمار تدعم الجماعات المتطرفة في قمع المسلمين، وإزالة المساجد في مدينة روهينغيا، ومنع المسلمين من أداء الصلاة، خصوصاً في شهر رمضان الكريم، إضافة إلى أن عناصر من الشرطة تسحب الجثث الميتة، وتخفيها حتى لا يتم إحصاؤها. وأضاف: «في عملية العنف الممنهجة والموجهة ضد المسلمين يتم إجبار الأطفال على العمل لمن هم دون التاسعة من عمرهم، ومنعهم من التعليم، وانتشار حوادث الاغتصابات المتكررة».